نشرت السيّدة أسماء صباح في العدد 3594 من صحيفة الحوار المتمدّن مقالًا بعنوان "مجتمع ذكوري... امرأة عاجزة"، بتاريخ الأوّل من كانون الثّاني 2012. وأعقبتُ عليه بردّ عنونته "مجتمع ذكوريّ... امرأة تُعجز نفسَها"، نشرته الصّحيفة عينها في عددها 3595 الصّادر في اليوم التّالي، أنقل إلى القرّاء الكرام الردّ والمقال تتابعًا، عن الصّحيفة المذكورة:
مجتمعٌ ذكوريّ... امرأة تُعجز نفسَها
كنتُ عزمتُ المشاركة في صفحة التعليقات أدنى المقال، والإيجاز خوفًا من الحشو والتكرار، إلّا أنّ طول نصّ التعليق ألجأني إلى صياغته في صورةِ ردٍّ قصير يُجمل الأفكار التي عرضت لي إبّان القراءة!
عزيزتي الكاتبة، أسعدَ اللهُ مساءَك وأجزلَ لكِ الثّناء على مناصرتِك حقوقَ المرأةِ في مجتمعاتنا الذّكوريّة، لا أُخفي عنكِ، بدايةً، امتعاضي من إهمالِك التطرّق إلى أسباب ذكوريّةِ المجتمعات واستمرارِها وتضخّمِها في مجتمعٍ دونَ آخر، ومن إهمالِ التَّسميات الحقيقيّة واستبدالها بأخرى (عمدًا أو عن غير عمد)، ممّا جعلَ مقالَك أعلاه عرضًا لا يُعالج موضوعَ المقال بشكلٍ كافٍ وافٍ، ويُهمل الأسبابَ وأساليبَ التحرّر منها فالمعالجة وصولًا إلى الهدف.
وبغضِّ النَّظر عن السَّبب الرئيسيّ الطبيعيّ الذي أدّى، منذ البدء، إلى سيطرة جنسٍ على آخر، كما عرضَ ذلك الأستاذُ نعيم إيليا في مقالٍ له "ضد عبد القادر أنيس وفاتن واصل"، على صفحات العدد 3394 من الحوار المتمدن ، فإن الأسباب المتعلّقة بثقافة المجتمع غائبة كليًّا في المقال، وقد تكون مغيّبة إمّا خوفًا من ذكرِها، أو جهلًا بها، ولا يُمكن إزاء عالم اليوم، وأمام وفرة مقالات الكاتبة وثقافتها إلا الإقرار بالتغييب القسريّ تهرّبًا منها ومن النتائج التي قد تترتّب عن ذكرِها في ظلّ مجتمعات متخلّفة مريضة.
تتساءل الكاتبة في مقدّمة مقالها عن سبب قلّة عدد النّساء اللواتي يعرفن بحقوقهنّ ويسعين إلى انتزاعها، ثُمَّ تجيب على تساؤلها سريعًا وتقول: "لأن المجتمع العربي الذكوري خلق امرأة عاجزة عن التطلع للامام". وتختم مقالها كما لو كانت تعرضُ أمام القارئ الحلَّ الرّئيسيّ في معالجة قضيّة الانتقاص من حقوق المرأة، تقول: "ان مجتمع ذكوري كالمجتمع العربي بحاجة الى اعادة صياغة، اعادة تربية، واعادة ترتيب للاولويات". وفي المقدّمة والخاتمة تتعمّد الكاتبة تسمية هذه المجتمع (أو المجتمعات) بالمجتمع العربي، بدلًا من استخدام التسمية التاريخيّة الدّقيقة "المجتمع الإسلاميّ"! وشتّان ما بين التسميتين! المجتمعات العربيّة يا سيّدتي كانت، ما قبل نشأة الإسلام، منحصرة في مناطق جغرافيّة معيّنة، كما أنّ ثقافتها كانت محدودة جدًّا في تلك المناطق. ومع نشأة الإسلام فانتشاره وُئدت كلُّ ثقافة لتحلّ الثّقافة الدينيّة شيئًا فشيئًا مكانها أجمعين! فنشهد أسلمة العادات والتّقاليد وكلّ عنصر ثقافيّ آخر تحت حكم الله المطلق وشريعته وشريعة رسولِه المتمثّلتين في القرآن والحديث والفقه... إلخ!
إنَّ الكاتبة في حماسها، وهو حماس مشروع، وغيرتها على جنس حوّاء، وغيرتها حقّ؛ لم تتنبّه إلى أنّها عابت المجتمع لاعتباره جسد المرأة عورة (ولعلّها تنبّهت فغضّت الطّرف)، وهذا اعتبارٌ دينيّ إسلاميّ حصريّ يرى في المرأة عورة، لا بل مجموعة من العورات لا يسترها إلا النّقاب. ألم تقرأي في القرآن: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (سورة النّور 31)؟! أوَ لم تقرأي أيضًا ما قالَه نبيُّ هذا المجتمع: "إنَّ المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشّيطان وأقرب ما تكون من وجهِ ربّها وهي في قعرِ بيتِها" (سنن الترمذيّ). أوَ لم تسمعي عزيزتي الكاتبة ما قالَه أحد أشهر شيوخ بلادك أبو إسحق الحويني السلفيّ: "إنَّ وجه المرأة كفَرْجها"؟! من أين لمخيّلة السلفيّ الحويني هذا الإبداع الذي ساوى وجهَ المرأة بفَرْجها، لو لم يقرأ ويتأمّل في سورة النّور هذه، وفي زبدة أقوال علماء التفسير فيها، وفي هذا التّسلسل العجيب الذي بدأته الآية الواحدة والثّلاثون منها في إلحاقِ الفروجِ بالأبصار؟! من أين له هذه الصّورة في جعل كلّ ثغر في المرأة عورة لولا قول نبيّه في الترمذيّ؟!
ألم تفطن الكاتبة أيضًا إلى أنّها اتّهمت المجتمع باعتبار المرأة أقلّ من الرّجل، والمجتمع يستوحي هذا الاعتبار مرّةً أخرى من كتابِه الكريم في آياتِه التي تحطّ من شأن المرأة، ومن سنن نبيّه الذي لا يرى في النّساء سوى ناقصات عقل ودين! لماذا تنتفض الكاتبة على الرّجال الذين لا يرون في النّساء، على حدّ قولها، سوى المتعة، وسبقَ القرآنُ وصرّح: "نساؤكم حرثٌ لكم... "، و"انكحوا ما طابَ لكم من النّساء... "؟!
تختم أسماء مقالها بمجموعة من النّصائح تنصحُ بها المجتمعَ ليعيدَ ترتيب الأولويّات، فهل ستسمح له إذًا بإبعاد الدّين ونصوصه عن احتلال صدارة الأولويّات؟! تنصحُ للنساء بتربية جيلٍ من الذّكور قادرٍ على تصوّر المرأة كشريكة، فهل تنصح للأمّهات أن يُبعدن عن وسائل تربيتهنّ "الدّينَ" ونصوصه المهترئة؟! تنصحُ للمجتمع ألا ينظر إلى المرأة نظرةً دونيّة، فهل تقبل بأن يمسحَ المجتمعُ عينُه من ذاكرته وفكره نصوص الإله المقدّسة التي رسّخت فيه هذه النّظرة؟!
حتّامَ يتعامى المثقّفون العرب عن مشكلة المشاكل؟! وحتّامَ يبحثون عن الفلس الضّائع في النّور وهم يعرفون أنّه ضاعَ في الظّلام؟! حتّام يسخرون من أنفسهم ومن جماهير النّاس والقرّاء في إغفالهم المتعمّد أسباب التخلّف الرئيسيّة؟! حتّام يا أمّة الأعراب يا أمّة النّعام؟!
هو ذا نصّ مقال السيّدة أسماء صباح:
مجتمع ذكوري...امرأة عاجزة
لا زالت المرأة العربية تناضل من اجل الحصول على حقها، الا ان اللافت والمثير للاهتمام حقا هو قلة عدد النساء اللواتي يعرفن اصلا ان لهن حقوقا وعليهن السعي لتحقيقها، لماذا؟
لأن المجتمع العربي الذكوري خلق امرأة عاجزة عن التطلع للامام، همها اداء ادوارها التقليدية على وجه الدقة، الطبخ والغسل والكنس، وكانها خلقت لهذا فحسب!
البارحة لفت نظري رجل دخل الى عربة السيدات في مترو القاهرة، ليبيع للنساء "الة حفر الكوسا" وليقنع السيدات بشرائها استعمل دعاية جعلت كل النساء يشترين الالة "متخليش حماتك تعلم عليكي وقوري الكوسا من غير متكسريها"، ضحكت الفتيات كثيرا، واشترين الالة من اجل تسهيل عملية "عمل المحشي".
اذا فالمجتمع عن بكرة ابية وحتى هذا البائع يساهم في تشكيل امرأة تسعى لتكرار وقبول الدور الجندري المنسوب لها، على المرأة الطبخ والتنظيف وعلى الرجل العمل خارج المنزل من اجل ان يأتي بلقمة العيش، وتظل المرأة تعمل في صمت ومن دون ان يكون لهذا العمل قيمة "عائد" وتظل تشعر بانها على الهامش وبأنها مستهلك وغير منتج.
الاان بعض النساء ادركن، مبكرا، أهمية مشاركتهن في الحياة العامة على كل الاصعدة، ورحن يعملن بلا كلل ولا ملل من اجل تغيير نظرة المجتمع للمرأة، ففي ثورة 25 يناير رأينا النساء يشاركن بأعداد كبيرة في المظاهرات التي اطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.
الا اننا فوجئنا بعد الثورة بحوادث مست كرامة المرأة بشكل خاص، فقد تم اجراء فحص العذرية لبعض الناشطات اللواتي كن يعتصمن في التحرير، وسحلت اخريات وعريت وضربت نساء كبيرات في السن بالهراوات على رؤوسهن ولم يمنع شعرهن الابيض الاهانة.
فلماذا تستهدف المرأة بشكل خاص؟ ان المجتمع الذي نعيش فيه هو مجتمع ذكوري بحت، وبالتالي كان لابد له من ان يتصرف هكذا مع "المرأة" التي يعتبرها اقل من الرجل ولا يجوز لها ان تعبر عن رأيها أبدا فكيف لها ان تقول رأيها فيما يحدث على الساحة السياسية؟؟
ان السياسة حرام على المرأة، هذا ما يقرره الذكور المتمثلين بحكام البلاد، ولأن جسد المرأة يعامل أيضا على انه عورة، تمت تعريته لتلقين المراة درسا قاسيا لا تنساه في حياتها، ولتتعلم النساء الاخريات اللواتي لديهن طموح في السياسة والتعبير عن الرأي، على هؤلاء النساء ان يعدن الى مطابخهن كما قال احد السائقين معلقا على امرأة كانت تقود سيارتها وسط الزحمة، ولانها هادئة ولا تقحم سيارتها او "تخانق وتزعق" قال بأن "السواقة حرام للنسوان والله، دي اخرتها تطبخ طبخة للعيال وتغسل الهدوم".
اما هم فلهم الحق في القيادة والسيادة والسياسة وكل ما يتعلق بالمناصب العليا لانهم يعرفون كيف يصرخون ويشتمون ويقتلون ويعرون ويعربدون، ويتكرر صنع هؤلاء يوميا، ويربون على كره كل ما يتعلق في النساء الا كونها اداة للمتعة فهذا يحبونه.
ان مجتمع ذكوري كالمجتمع العربي بحاجة الى اعادة صياغة، اعادة تربية، واعادة ترتيب للاولويات، لذلك نحن بحاجة الى توعية النساء المربيات ليربين جيلا من الذكور قادر على تصور المرأة كشريكة في الحياة والوطن وفي كل شيء، وان يحترمها لانها انسان مثله، والا ينظراليها نظرة دونية..