تهربُ من الدّلف لتقع تحت المزراب!
هذه هي قاعدة الحياة اليوم وأساس العلاقات في هذا العالم الإنسانيّ الفقير المريض، وللالتفاتِ على مثل هذه القاعدة، وتخطّي هذا الأساس؛ وجب أن تكون منافقًا بامتياز، أو سياسيًّا من الدرجة الأولى (اخترْ درجتَك)، أو ديبلوماسيًّا صاحبَ تقيّة! وهي صفاتٌ متفاوتة الدّرجات والمراتب في بني البشر، تنبع من العقل والفكر والإرادة الحرّة لتحقيق بعض الرغبات والأهداف. جدير بالذكر أنّ عالمَ الحيوان خلوٌّ منها.
هل أنتَ حرٌّ في عالمك الصّغير أو الكبير، أو في واقعك ومحيطك؟! هل تجرّأت على قياس حريّتك والتعرّف بحدودها كما تقيس الحرارة بميزان من الزئبق الأحمر؟! ما جدوى طلب العيش حرًّا في عالمٍ يخلو من الحريّة؟! أم أنّك ترى يا عزيزي أنّ الحريّة هي قدرتك على ممارسة الأهواء والقيام بالمغامرات وإشباع الغرائز من أكلٍ وشربٍ ونومٍ وجنس؟! ألا ترى معي أنّ الحريّة ترتبط أشدّ الارتباط بالكرامة؟! ما نفع حياتك وإنسانيّتك بلا كرامةٍ وبدون حريّة التعبير والتفكير؟! هل تكتفي بما قُدّم إليكَ من وجبات فكريّة كما يكتفي الحمارُ بما يُقدّم إليه من برسيم؟!
إنّ القواعد التي فرضها عليّ محيطي في الصّغر أثقلتني وأنهكتني، ولم أشعرْ يومًا بالحريّة، ولم أذق لحظةً طعم الكرامة دون الخضوع لشروط البشر المذكورة أعلاه! حريّتك وكرامتك هي في نفاقك، وهذا ينقض جوهر الحريّة ولبّ الكرامة. إذًا لا مجالَ لك إلا أن تخدع نفسَك بعيش هذه والشّعور بتلك! في سورية، وفي منطقتي النائية عن قلبِ الله ومركز التمدّن، اختبرتُ مرارة الواقع الدينيّ، وفساد العقل الاجتماعيّ، ورداءة الممارسة السياسيّة، وسوء القمع والتنكيل والاضطهاد! وفُرضَ عليّ أن أكون واحدًا من المستعبدين، يقتات من نفاقِه طعامَ يومه وشرابه. في لبنان شعرتُ أوّل مرّةٍ بطعم الحريّة وقيمة الإنسان ككيان مستقلّ فريد، وهذا الشّعور الجزئيّ القليل أشعلَ في قلبي شرارة التوق الأبديّ إلى ملء حياة من الحريّة والكرامة. لم يكن ذلك في لبنان عامّةً، بل خاصّةً، وخاصّةً جدًّا: على مقاعد الدراسة الجامعيّة، وفي قلب المحاضرات! خارجها قليلٌ منه لا يُذكَر...
في الواقع، وفي أغلب بلدان العالم، إن لم نقل جميعها؛ لا وجود لحريّة تامّة ولا لكرامة مطلقة. كلاهما محدودان ضمن أطر ثقافيّة قانونيّة اجتماعيّة دينيّة تختصّ بكلّ بيئةٍ وبلد! هذا ما يدفع المرء كثيرًا أو قليلًا إلى البحث عن واقعٍ بديل للتنفيس عمّا أغلقَ عليه، وللتعبير عن غير المباح في الواقع الأوّل. أُطلقَ الافتراض مع إطلاق الإنترنت، والافتراضُ يعني الظلّ والرمز والتصوّر والخيال مفصولًا بأجزاءٍ تكثر أو تقلّ عن الواقع. فالواقع هو أنت جسدًا ومَلكات، والافتراض هو أنت (أكبر وأكثر وأوضح) في الإنترنت لكن بصورةٍ خياليّة. وهو يعاكس عالمَ أفلاطون هذا الفيلسوف الذي صوّر واقع البشر (واقع الجسد) بالظلّ والخيال، وأشار إلى الحقيقة بالافتراض (نفس دون جسد)! فإن كان بحثي عن أقصى درجات الحريّة وأسمى مراتب الكرامة لم يتحقّق في واقع الأجساد، لكثرة الحدود والقواعد والأطر والتحديدات والموانع؛ فهذا ما يدفعني إلى البحث عن هذين القيمتين وعيشهما في الواقع البديل (الافتراضيّ). ولأنّه افتراضيٌّ أي رمزٌ وخيال للواقع، فمن السّهل أن تجد فيه ما تبحث عنه مهما ارتقى موضوع البحث على واقعك الجسديّ. اختباري خلال السّنوات الأخيرة أثبت لي أنّ هذا الافتراض محدودٌ أيضًا ومقموع بالاقتصاد أبي السّياسة والإعلام والإيديولوجيّات... إلخ! واقعٌ محدود مكبَّل ومُكبِّل وافتراضٌ محدود مقيَّد ومقيِّد، فهل ثمّة بديل آخر؟!
قبلَ عدّة أيّام وعلى صفحات الفيسبوك كتبتُ تعليقًا صغيرَ الحجم بسيط الفكرِ والكلم حول مظاهرة الأوكرانيّات عاريات الصّدر أمام السّفارة السعوديّة في كييف دعمًا للمرأة السعوديّة نحو عيش حقوقها كاملةً دون انتقاص واحدٍ منها. ووضعتُ صورةً واحدةً تبيّن شكلَ المظاهرة وإحدى لافتاتها. كما ختمتُ التعليق بتساؤلات دينيّة - فكريّة موجّهة إلى الإنسان عامّةً والرّجل خاصّةً (يُمكن القراءة والمشاهدة في هذه المدوّنة تحت عنوان "إقصاء المرأة: النموذج السعوديّ"). اليوم التالي قامَ الفيسبوك بحذفها أصلًا وجذرًا مع تنبيهٍ أوّل! هدّدني الفيسبوك في حالِ العودة إلى "خرق" قواعده "الأخلاقيّة" بإغلاق حسابي، لأنّه يعتبر البشر يتنفّسون من منخره، ويشربون ويأكلون من بلعومه ومعدته! ومراعاةً للأصول ساعدتني صديقتي على كتابة رسالة مطوّلة بالإنجليزيّة شديدة اللهجة أطلب فيها توضيحًا للحذف وإشارةً إلى مكامن خرق "القواعد الأخلاقيّة والقانونيّة"! لا جوابَ حتّى اليوم، وقد لا يصل أيُّ جواب... لا بُدَّ إذًا من واقعٍ بديلٍ آخر، أظنّني اقتربتُ من الكشفِ عنه، حينها سأطلّق الفيسبوك الديكتاتور وزبانيّته من كتبة التقارير والمخبرين والمتقوقعين والمرضى الفاسدين هؤلاء الذين أودوا بموضوعي الصّغير وحصلوا لي من محكمة الأمن الفيسبوكيّة على تنبيهٍ أوّل قد يؤدّي مع سبق الإصرار على ارتكاب الفحشاء في الأديان والسّياسة والجنس إلى سجنٍ مؤبّد أو نفيٍ لا عودة فيه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق