الاثنين، أغسطس 01، 2011

سيريانيوز واللغة العربيّة!


كلَّ يومٍ، وفي كلّ خبر أو مقال، يستبيح موقع سيريانيوز الإخباريّ، والكثير من المواقع غيره، اللغةَ العربيّة، فينتهك عرضَها انتهاكًا مخزيًا يدلّ إلى حال الثقافة العربيّة المريض الذي وصلنا إليه! كنتُ أقرأ يومًا في صفحة المنوّعات، فوقع نظري على مقالٍ يتناول المشاهير في صورٍ يفضح نظراتهم المختلسة إلى النّساء. ولكثرة ما انتهكَ الكاتبُ لغتَه العربيّة نسيتُ المقال ومضمون المقال، ورحتُ أضربُ كفًّا بكفّ أسفًا على هذه الحال.

عنوان المقال "بالصور.. فضائح "بصبصة" المشاهير للفتيات السياسيين و الرياضيين أكثرهم مغازلة من رونالدو إلى أوباما"! يا لجزالة الكاتب ويا لفصاحة قلمه! "المكتوب مْبَيّن من عنوانو" كما يقولُ المثلُ المصريّ. إنَّ لفظة "بَصْبَصَة" بمعنى اختلاسِ النّظرِ عاميّةٌ، وفي الفصحى تعني التحريك والتلويح بشيء، فيُقال: بصبصَ الكلبُ إذا حرّكَ الذّنبَ، وبصبص بالسّيف إذا لوّحَ بهِ. وقد تأتي أيضًا بمعنى الفتح والإضاءة، فيُقال: بصبص الجروُ فتحَ عينيه... إلخ. نغضُّ الطّرفَ عن استخدام العاميّة لحسناتها، لكن، كم كنتُ أودُّ لو أتعبَ الكاتبُ نفسَه فعامل الفعل "بصبص" معاملة الفعل "نظر" فعدّاه تعديته إمّا مباشرةً أو باستخدام حرف الجرّ "إلى"، وقال: "بصبصة إلى" لا "بصبصة لـ" فالعربُ تقول: نظره ونظرَ إليه. ثُمَّ من أيّة حذاقة استلهم الكاتبُ لفظة "فتيات"؟! ألعلّه يضعُ على عينيه نظّارة الشّباب الدائم فرأى تلك النّساء في الصّور فتياتٍ؟! لا حولَ ولا حيلة إلا باللهِ العليّ العظيم! نترك العنوانَ لكثرة شرورِه وننتقل بكم أعزّائي القرّاء إلى حلبة المقال حيثُ نشهد بالأدلّة والبراهين تعرّض العربيّة للكماتٍ لا عدَّ لها ولا حصر ما شاء الله.

يقول الكاتبُ النحرير "سخرت الصحف الإسبانية من... كريستيانو ورنالدو لتمعّنه النظر (بصبصة) لمشجعة أمريكية شقراء، ليعيد إلى الواجهة... ". هل أنتَ أعجميٌّ يا عزيزي الكاتب؟! كيفَ استطعتَ أن تجمعَ في سطرٍ ونصف السّطر ثلاث لامات، الواحدة تفسّر الأخرى؟! بارك اللهُ فيكَ وفي همّتك ووفرة استعمالاتك! نقبلُ، مجازًا وتعاطفًا وتسويةً، بإحلال فعل "تمعّن" مكان الفعل "أمعنَ"، لكن بأيّة حيلة سنجيز لكَ تعدية الفعل باللام؟! هاتِ يا عزيزي الوسيلةَ التي تريد ونحن "شبّيك لبّيك"، نحنُ بين يديك! اسأل الكوفيّين والبصريّين، لا بل اسأل المتنبّي واحصل لنا من شواردِ كلماته عمّا يبيح لك هذه الجريمة! غفرنا لك استخدامًا جديدًا، وعفونا عن لامات ثلاث ركيكة لا محلَّ لها ولا مكانَ لا في اللغة ولا في السياق، ولا في الإعرابِ إن أردت، لكن أن ندعك تقول "تمعّنَ النّظرَ لَهُ" بدلًا من "إليه" فلا، واللهِ وباللهِ وتاللهِ لا!

يُكملُ المحرّرُ الزمخشريُّ في موضعٍ آخر، فيقول: "قبل لقاء الفريق الودي أمام نادي لوس أنجلوس... ". إنّ "لقاء" مصدر الفعل "لقي" وهو فعلٌ يتعدّى إلى مفعوله مباشرةً دون أيّ وسيط. وجملتُك يا عزيزي المحرّر تعني أنّ فريقَ رونالدو لقيَ فريقًا (لم يُذكر) أمام نادي لوس أنجلوس، أي أنّ هذا النادي حضرَ لقاءً جمعَ فريقين: أحدهما فريق رونالدو! أين المفعول بهِ؟! لو أردتَه "نادي لوس أنجلوس" لقلت: "قبلَ لقاء الفريق الودّي ناديَ لوس أنجلوس" فتنصب "نادي" على أنّه مفعول المصدر "لقاء"، أو: "قبل اللقاء الودّي الذي جمعَ فريقَه بنادي لوس أنجلوس"...

نقتبسُ مثالًا أخيرًا، لتجنّب الإطالة والملل، جملةً اشتهرَ بكتابتها فصحاء العربيّة وبلاغتها، وهي لا تمتُّ إلى العربيّة بصلة! يقول الكاتب: "فيبدو أنّ هذا الأمر معتاد عليه"! ياه... ليتَ مجامع اللغة العربيّة من المحيط إلى الخليج تستعيرُ نحتك وفنّك وتجديدك لغتنا، فتضيف استخداماتك إلى كتبِ النّحو والمعاجم، فتثرى بك اللغةُ ونشعر بأنّها، قولًا وفعلًا، أضحت لغةً عصريّةً لا عيبَ فيها ولا غضن! لا يحتاجُ الفعل "اعتادَ"، يا عزيزي، إلى حرفِ تعديةٍ، فلا يُقال "اعتادَ على الأمر" بل "اعتادَ الأمرَ" أي وظبَ عليه. ألم يكن أيسر قولك: "فيبدو أنّ هذا الأمر عادة"؟! لا يسعنا، لكثرة الهفوات طولًا وعرضًا، أن نعرضَها جميعًا. نكتفي بالشذرات منها!


ونختمُ بطرفة، من باب المزاح، قرأناها في إعلانات سيريانيوز:
"IPAD one 16 GigaByte with WIFI مُستعمل لمدّة شهر بالكرتونة"!!
فتأمّل يا رعاكَ الله!
***