الاثنين، نوفمبر 24، 2008

في روما!

الخميس 14 تشرين الأوّل 2004 (روما)
.
ها قَدْ صرتُ في روما المدينة الخالدة ويومي هذا فيها هو الحادي والستّون! تمضي السّاعات وتفرُّ الأيّام فرار طائرٍ أسير من غربة قفصٍ باردْ. أعدتُ الكتابةَ مرّتين، واحدة في مطلعِ هذا النّهار والثّانية عندَ أقدامِه الآن. أمرُ الدّراسة صعبٌ في وطنٍ ليس بوطني، ولغة ليست لغتي، وغربةٌ قتّالة تفتُك بجسدي طوال شهرين، كضارٍ جاثمٍ على فريسته يمزّق بقايا اللحمَ ويتركها رفاتاً قليلا. ليس في جيبي إلا القليل القليل، بضع قطعٍ نقديّة معدنيّة تبلغُ 7 إِوْرو و67 سنتاً تمكّنني من الحصول على وجبة ونصف في مطاعم المَكْدونالدز الشّهيرة! غداً سيصلُ صديقي من بلدتي مُحَمَّلاً بوصيّتي الأخيرة التي تركتُها على الهاتف عندما جمعني بأمّي الحبيبة. سيحملُ لي كتباً وطعاماً ونقودا!
.
حصلتُ على هذه الغرفة الصّغيرة، التي لا تسعُ غريباً مثلي، في مبنىً كبير يقع في شارعِ بوتشيا الطّويل الرّازح تحت وطأة الغرباء! السّماءُ في الخارج تعصفُ بي وبكلِّ ما تحتها، والبرقُ يسبقُ الرَّعدَ هابطاً على الأرضِ بعنفوانٍ يمزّقه صوتُه الآتي من بعيد. وحُبيبات المطر تنهمرُ من عيون السّحبِ حزناً على فراقِ الصّيفِ وألوان الحياة والأوراق والثّمار وابتسامات لا تُعدّ ولا تُحصى.

الخميس، نوفمبر 20، 2008

مرورٌ عابر!

السبت 30 آب 2003 (ألمانيا)
.
استمرَّ المطرُ يغدقُ على الأرضِ المخضرّة خيراته وعلى الإسفلت مياهه حتّى الصّباح، وفي السّابعة والنّصف بلغنا محطّة مدينة شْتوتْجارتْ Stuttgart. كانت ابنةُ عمّي بانتظاري وتعانقنا طويلاً بعد غيابٍ أطول، وأخذتني مباشرةً إلى منزلها في ضاحيةٍ قريبةٍ من المدينة. مكثتُ في هذه البلاد الباردة أرضاً وشعباً لأسبوعٍ لا أكثر. زرتُ فيه مدينة أولْم Ulm الواقعة على ضفاف نهر الدانوب وحيث أعلى كاتدرائيّة في العالم. وتُعتبر هذه الكنيسة ثاني أهمّ الكنائس الألمانيّة القوطيّة (نمط فنّي) بعد كنيسة كولونيا. وهي الأعلى في العالم بارتفاعٍ يبلغ 161،1 متراً و768 درجةً صعدتُها كاملةً.
.
بعد انقضاءِ الأسبوع حملتُ رحلي من جديد راكباً الحافلة متوجّهاً إلى روما المدينة الخالدة الجاثمة على سبع تلال.

الاثنين، نوفمبر 10، 2008

في جنوب بلاد الغال!

الجُمعة 29 آب 2003 (على الطّريق بين فرنسا وألمانيا)
.
كانَ ذلكَ منذُ شهرٍ تقريباً، فالزّمن لا ينتظرُ أحداً، أمضى أيّامَه مسرعةً تلقي مخلّفاتها في حاويات الماضي والذّاكرة... غادرتُ بلدتي الحبيبة صباحَ الأربعاء في الثلاثين من الشّهرِ الماضي تمّوز لتناول الغداءَ في حلب والاستعداد للرّحيل. وعندَ المساء حملتني سيّارةُ الأجرة لتضعني بعدّتي وعتادي في المطار ومنه حلّقنا في التاسعةِ باتّجاه مطار دمشق الدّولي. مكثتُ في الترانزيت ولسوءِ حظّي أكثر من أربعِ ساعاتٍ لتنطلق بي طائرةٌ أخرى في الثّالثة من صباح اليوم التّالي. ولظروفٍ يعلمُها اللهُ وإدارة الشّركة السوريّة للطيران، تغيّر اتّجاهُ الرّحلة في الجوّ، كما يحدثُ في أفلام هوليوود؛ فعدّلتْ مسارَها باتّجاه العاصمة الإسبانيّة مدريد بدلاً من الهبوط في مرسيليا الواقعة في جنوب فرنسا. مكثنا هناك أكثر من ساعةٍ بقليل بعد أن هبطنا في الثّامنة صباحاً، وحصلتْ الطّائرة على كفايتها من الوقود لتحلّق بنا نحو المدينة المنشودة! تمَّ كلُّ شيء في غضون ساعتين، فحملتُ المتاعَ وخرجتُ لأجدَ دومينيك والدة صديقي بانتظاري يرافقُها كارلوس الأرجنتينيّ وآخر لا أعرفُ عنه شيئاً. خلال الطّريق، وبرغم التّعبِ الذي ملأني حتّى الثّمالة، زرنا مدينة مريمات البحرِ القدّيسات Les Saintes Maris de la mer.
.

.

ويروي التقليدُ الفرنسيُّ أنَّ مريمَ المجدليّة تلك المرأة التي أخرجَ منها يسوع سبعة شياطين (كنايةً عن الخطايا) ومريم أخت ألعازر وصلتا هذا المكان البحريّ قادمتين من أورشليم (فلسطين)، وهنا أُقيمت كنيسةٌ تذكاراً لهما، فيها أطلقنا الصّلوات، ودفعنا أرجلَنا تجولُ في أزقّة وساحات هذه المدينة الغارقة في جمالٍ فريد.

.

انتهى هذا اليوم المتعب عندما وضعتُ رأسي على المخدَّة في الخامسة عصراً وغبتُ في نومٍ عميق. كانَ الظّلامُ يعمُّ المكانَ عندما استيقظتُ من كثرةِ العطشِ الذي ألمَّ بي، كالحمَّى، دون استئذان. مكثتُ لحظات على هذه الحال، ثمَّ تابعتُ السّيرَ في رقادي دون تردُّد!

.

في اليوم التّالي، أي الجمعة، زرتُ مدينتي الجديدة مونبلييه Montpellier الواقعة في وسط جنوب فرنسا

.

.

وتعرّفتُ سريعاً على وسطها السياحيّ بجولةٍ قمتُ بها مع الأرجنتينيّ النّحيف كارلوس. وبعدَ عدّة أيّام، ولعدم رغبتي في قضاء الوقت عبثاً، ذهبتُ إلى أحد معاهد البلدة لتعلّم الفرنسيّة، وهناك قامتْ ناتالي سكرتيرة الطلبة باصطحابِ الطلاب الجدد للتعرّف على أهمّ آثار المدينة الثقافيّة والدينيّة، حيث حدّثتنا بلهجةٍ فرنسيّةٍ جنوبيّة، لم أفهم منها إلا الإشارات، عن كاتدرائيّة القدّيس بطرس التي سلبتْ أنظارَ الجميع. ثمَّ أسرعتْ بعدها لتقف بنا أمام أقدم جامعات الطبّ في العالم.

.

كانَ هذا الشّهرُ سياحيّاً ثقافيّاً بطرازٍ رفيع نقلتني أيّامُه بين مدنٍ مختلفة مثل نيم Nîmes

.

.

تجوّلنا فيها ليومٍ كامل ومررنا على المسرح الرومانيّ المدوَّر، المُشابه للكولوسِّيوم الرّابض في وسط روما القديمة. لم نتمكّن من الدّخول بسبب خضوعه للترميم والإصلاح، فعدّلنا المسير متّجهين نحوَ مكانٍ آخر.

.

.
التقينا بأثرٍ رومانيّ آخر هو المعبدُ المسمَّى بـ "المربَّع"، وهناك فاحت روائح جثث الآلهة التي ماتت منذ تلك الأيّام!
.

.

ولم نغادر المدينة دون العبور في محطّة الجسر الضّخم العتيق المدعوّ Pont Du Gard Aqueduct، وهناك بقينا صامتين مدهوشين كراهبٍ راكعٍ أمام المصلوب.

.

.

تشابهت الزّيارة في مدينة آرل Arles حيث تباركنا من الفنّ الرّومانيّ في مسرح المدينة ومتّعنا النّظر من جديد بهيبة الكولوسِّيوم الآرليّ، وبقربِه اخترنا مطعماً صغيراً ذقتُ فيه الكريبْ الفرنسيّ للمرّة الأولى.

.

.

هكذا كانت أسفارُنا بين مدن الجنوب فمن إكس آن بروفانس aix- en- provence حتّى مرسيليا التي قضينا فيها ليالٍ لا تُنسى، ومن شاطئها أشاروا لنا إلى جزيرةٍ بعيدة قائلين: تلك هي جزيرة مونت كريستو! ومرّةً كنّا نجتازُ حيّاً فقيراً بالياً من أحياء المدينة، فقال صديقي الفرنسيّ مشيراً إلى مجموعة البنايات المليئة بثياب الغسيل كلوحةٍ تشكيليّة، هنا وُلد زينُ الدّين زيدان. ولم نفوّت البحرَ إذ قضينا نهاراً كاملاً على شاطئ كَسّيس cassis الصّخريّ وهناك قفزتُ كالمجنون في بحرٍ تملأه الصّخور الضّخمة القريبة من سطح المياه من ارتفاعٍ يزيد عن ثمانية أمتار. ومن شدّة الهلع شعرتُ أنَّ الصّخرة التي هبطتُ عليها وقعتْ فوقَ رأسي، والماءُ يجعلُك مقلوباً فلا تعلم رجليك من رأسك. كنتُ مفعماً بحماسة الشّباب وحماقتهم!!!

.

تميّزت مدينة آفينيون Avignon بقصرٍ ماردٍ راسخ بالقرب من نهر الرّون Rhon يصله ممتدّاً بأجنحته وساحاته وجدرانه فيبلغ قلبَه عبر جسرٍ يروي عنه التقليد أسطورةً مقدّسة. فأمّا القصرُ فيدعى قصرَ البابوات، أقامُه البابا إقليمندوس الخامس الذي جاءَ فرنسا ليسكن هذه المدينة، وبقي من بعده تسعٌ من رؤساء الكنيسة الرّومانيّة يقطنون فيه، حتّى استطاعت قدّيسةٌ سويديّة تُدعى بريجيديا، بتقواها وقداستها، إقناع البابا بالعودة إلى روما كرسيّ الخلافة البطرسيّة سنة 1377. مكثنا في القصر مدّةً لم تكفِ للتعرّف عليه كما يليق بهذا الصّرح التاريخيّ، ومنه ارتجلنا الطّريقَ نحو جسر القديس بينيزيه الشّهير.لهذا أيضاً أسطورة دينيّة تروي أنَّ أهلَ البلدة كانوا يذوقون المرَّ في عبورِ النّهر العريض، فقامَ قدّيسٌ يدعى بينيزيه ببنائه بمعونة الملائكة. لطالَما أدهشتني تقوى المؤمنين!!! حكايات وغرائب يتمسّكون بها ويرصفونها بين أحجار التقليد لتصبحَ في ما بعد مدماكاً رمليّاً عليه يُقيمون الإيمان... هراء! فالأخير لا يقوم إلا على الاختبار والمعرفة ولا يبدو جليّاً إلا بالأعمال.

.

.

نعودُ إلى الصّفرِ والعودُ أحمدُ، ففي هذا اليوم بالذّات أي التاسع والعشرين من آب غادرتُ البلدة التي عشقتُها وقضيت بين ربوعِها شهراً من الزّمنِ راكباً الحافلة. في الحقيقة خُيّرتُ بين الطّائرة والقطار وتلك، وفضّلتُ الأخيرة لرغبتي في قضاءِ وقتٍ طويلٍ وحيداً مسافراً ألقي بما بقي عندي من نظرات على البلاد التي تنتشر على طول الطّريق! وهكذا أقلّتني السيّدة دومينيك بسيّارتها السيتروان إلى المحطة وفيها ركبتُ حافلةً ألمانيّة يقودُها رجلٌ بشاربٍ أحمرَ عريض غاضبٌ على الدّوام. دخلتُها وجلستُ في المقعد الأوّل خلفَ السّائق، وما أن وضعتُ نفسي في مكانِها ورآني النازيُّ الواقف خارجاً حتّى هبَّ حانقاً يصيحُ في غضبٍ Nein... Nein... محرّكاً سَبَّابته يميناً شمالاً وهو يتّجه نحوي. في الحقيقة لم أفهم ماذا يريد لأنّي وللمرّة الأولى أسمعُ هذه الكلمة الألمانيّة. دخل وبدأ يصيحُ فيّ بلغته المملوءة خاءً، وشاربه يهتزُّ وقد جحظتْ عيناه فقلتُ في نفسي: اللهُ يعلمُ كم شربَ هذا السكّيرُ قبل الرّحيل! أجبتُه بإنجليزيّة ركيكة وقلتُ: لا أفهم الألمانيّة حدّثني بالإنجليزيّة. لكنّه بعرقِه الآريّ أبى عليّ ذلك واستكبر ومضى قدماً بلغة الفلسفة واللاهوت والاستشراق. تأفّفتُ مراراً وتكراراً حتّى أمدّني اللهُ بمعاونه اللطيف الذي لحقنا وقال لي بهدوء: يسألك ألا تجلس خلفه فهو يريدُ وضعَ حاجاته!!! لعنتُ هتلرَ سبع مرّات. وحملتُ حملي وأخذتُ مكاني في الطّرف الآخر.

.

بعدَ قليلٍ بلغنا آفينيون وكان علينا البقاءُ فيها ساعةً فنزلتُ وجلتُ في السّوقِ القديم متوقّفاً أمامَ مكتبةٍ لبيع الكتبِ القديمة. تأمّلتُ الواجهةَ وكتبَها المطبوعة بثقافةٍ فرانكفونيّة بيّنة. لم أجرؤ على الدّخول لأسبابٍ جلّها يتعلّق بفرنسيّتي "الفايتة بالحيط" وجيبي "المبخوش" كأبنية برج حمّود في بيروت!عندَ مشارف مدينة ليون الجميلة بدأ الرّذاذ ينهمرُ ضافياً على مشهدنا عذوبة ما بعدها شيء آخر. في محطّة المدينة الرّئيسيّة حيث استرحنا لنصفِ ساعة تكرّر غضبُ النازيّ الذي رفضَ أن يحدّثَ شابّاً أميركيّاً إلا بلغة قومِه وبلدِه... أوفّ منك يا أحمرَ الشّارب! أسعفه المعاونُ مرّةً أخرى. مررنا أيضاً بستراسبورج ومدن أخرى كثيرة وأنا أرقبُ الطّريقَ وأذيّل الخارطة المفروشة أمامي بهوامشَ وإشارات متطلّعاً بين الفينة والأخرى على تلك اللافتة فوسفوريّة اللونِ Sortie حتّى لمحتُها من بعيد بلغةٍ أخرى تقول Ausfahrt وتشير إلى أنّنا وطئنا عتبة القبائل الجرمانيّة.

الأربعاء، نوفمبر 05، 2008

الحُلم!

الأربعاء 28 أيّار 2003 (جبل لبنان)
.
ها قدْ بلغَ هذا الشّهرُ أيضاً قبرَه، تنقصُه ثلاث ساعات! ما زلتُ في مكاني وفي تلك الغرفةِ الصّغيرة في رحبِ منزلٍ أقتربُ بخوفٍ وترقّب من الامتحانات الجامعيّة الأخيرة... ستكون الأخيرة أليسَ كذلك؟ تساءَلَ. قَدْ لا تكون، أجابَ! وبين هذا وذاكَ قمتُ نافضاً نفسي وراكلاً حالي، خطوتُ نحوَ البابِ... غبتُ قليلاً وعُدتُ بعد أن أعددتُ كأساً من الشّاي الثّقيل على الطّريقة العراقيّة الرّيفيّة. فتحتُ دفاترَ ذاكرتي وتذكّرتُ حلمَ البارحة...
.
كانت روحي تهيمُ بين الأوجاعِ، وكآبةٌ لا نبعَ لها تحلّقُ فوقها وتحاولُ عبثاً أن تبتني لها عشّاً فوق ذراها، بينما هجعَ الصّمتُ في خلوته وراح يجلدُها بسكينته. طالتْ وامتدّت فعانقت الأوجَ وما كنتُ أعلمُ في الحقيقة إن كانت روحي تلكَ ترغبُ في تسلّقِ السَّماءَ سعياً نحو إكليلِ النّهاية!
.
أحداثٌ أخرى وقعتْ هناكَ حيث لا رغبة ولا إرادة، هناك في الحلم... نزلتُ فيه إلى مثوى الأمواتِ حيث البكاء وصريف الأسنانِ، لأرى وجوه الموتى وأجسادهم البالية، وأيّ رؤية! كانَ الدّرجُ حجرياً ملتفّاً معلّقاً في الظّلامِ يغرقُ في أغوارِه، وأنا أواصلُ السّيرَ منحدراً وأخيراً تحسّستُ الدرجة الأخيرة، حاولتُ أن أميّزَ بعدَها شيئاً، فكان ذلك عبثاً! تجرّأتُ على النّظرِ إلى الأسفل لتقع عيناي على عتمةٍ لم ألقَ لها مثيلاً سوداءَ تبلعُ الليلَ المهجور. اصطكّت الأسنانُ وارتعدت الفرائصُ حتّى أنَّ الدّودَ فيّ اهتزَّ طرباً فقد شارفَ مبغاه. كنتُ ملزماً عليه، عليّ أن أقفزَ في حضنِه، وفعلتُ مُغمَضَاً. كانَ كلُّ شيءٍ يتحوّلُ ويختلطُ، ينفعلُ ويصرخُ متألّماً، أين أنا؟ كنتُ في قلبِ الموت!!! ما عدتُ أقدرُ على التمييز فامتزجَ الضّحكُ بالبكاءِ وقهقهات المائتين تركضُ دامعةً، الأصواتُ والكلامُ والأجسادُ التي نزعت عنها بشرتها... كلّه وسط ظلامٍ لا يُدرَك... وقعتُ في مكاني والعرقُ يغمرني وأنفاسي تتقطّع، وجدتُ غرفتي كما كانت وفراشي يمتدُّ كفرسٍ حانية.
.
أقفلتُ ذاكرتي وختمتُها بالشّمعِ الأحمر وعُدتُ إلى نفسي أرتشفُ الشّايَ مستمعاً إلى أمَّ كلثومٍ تنشدُ: أمل حيـاتي يا حبّ غـالي مـا ينتـهيـش يا أحلى غنـوة سـمعها قلبي ولا تتنسـيش خـدْ عمري كلّه بس النّهار ده خلّيني أعيش خلّيني جنبك في حضنِ قلبك... وسيبني أحلم يا ريت زماني مـا يصحنيـش.

الثلاثاء، نوفمبر 04، 2008

المستنقع!

الخميس 3 نيسان 2003 (جبل لبنان)
.
كنتُ أسيرُ على انسكابِ نسيمِ الرّبيعِ، يلفحني بلطفِه، فألفحُه بتجهّمي!
كنتُ أبكي بكاءً مرّاً، وإن سُألتُ عن السببِ فالإجابةُ لا تروي الغليل، لا أذكرْ... والحفنة التي تحتويها وريقتي الصفراء هذه لا تشيرُ إلا إلى آثار الدّموع وانسحاق نفسي الحزينة حتّى الموت.
.
بالقربِ من البستانِ انتشر مستنقعٌ متجهّمٌ هو الآخرُ لكثرة سوادِه وفسادِه... اقتربتُ منه، فكانت المفارقةُ: كلانا مُتجهِّمان مُتحمِّمانِ والفرقَ الوحيد بيني وبينه كانَ اختلاجُنا. فبينما نشجتُ أبكي وأنتحبُ كانت الضفادعُ تنقُّ بصخبٍ لا مثيل له! أليست مفارقةً أن أبكي وحيداً وأن تنقَّ الضفادعُ مجتمعةً كلانا في بحرٍ من السّواد؟!
.
أدرتُ ظهريَ للمكانِ ومسحتُ ما تبقّى من فيضِ عينيَّ وارتجلتُ الطّريقَ مرنّماً أنشودةً سريانيّة عتيقة يقولُ مطلعُها: ܦܬܰܚ ܠܺܝ ܡܳܪܝ̄ ܬܰܪܥܳܟ ܡܠܶܐ ܪ̈ܰܚܡܶܐ... افتحْ لي يا ربُّ بابَ مراحمِك كما فتحتَه أمام الخطاة...

الاثنين، نوفمبر 03، 2008

أرضُ العراقِ تئنُّ

الأحد 30 آذار 2003 (جبل لبنان)
.
نباحُ الكلابِ في الخارج يشعرني برهبةِ القذائف الأميركيّة- البريطانيّة المتساقطة على أرض العراق! لا يختلفُ الفاعلون عن كلابِ هذا الصّباح، جميعهم ينبحون، هؤلاء من أجلِ الحصولِ على كسرةٍ تسدُّ رمقَ تشرّدهم، وأولئك من أجلِ عظامٍ سوداءَ من نوعٍ فريد...
.
هي السّاعاتُ الأولى من الصّباح، والجميعُ يرقدون بأمان، وأطفالُ العراقِ يئنّونَ في مضاجعهم، والكبارُ يسهرون بقلوبٍ واجمة، محدّقين إلى مستقبلٍ يلفّه ضبابٌ من دخان ومن موتٍ كئيب!!!
.
تنهمرُ القذائفُ بدلاً من الأمطارِ، وعلى ضجيجها تتصاعدُ آهاتُ البكاءِ والنّحيب، يبكونَ آباءً وأمّهات وإخوة وأخوات وأبناء، يبكون الموتَ، ولا ينفعهم بكاء. قلبي يعتصرُ كمداً، فحنيتُ القلمَ وأبيتُ النزيف على أديم الأوراقِ، وأطفأتُ النورَ وخرجتُ حاملاً دمعات تردّد: "أيّامُ الإنسانِ كالعشبِ تمضي، وحياتُه كزهرِ الحقلِ تذوي".

الأحد، نوفمبر 02، 2008

حول اللغة الآرامية ولهجتها "الـسُورَثْ"

(منشور في جريدة النهار، الخميس 17 أيار 2007 - السنة 74 - العدد 23004، صفحة "رسائل القراء")
.
في عددها الصادر يوم الثلثاء 15 أيار 2007، نشرت جريدة النهار تحقيقاً شيقاً للكاتب أمين قمورية، جال من خلاله في أنحاء جبال كردستان (مرتفعات آشور) وحدّثنا عن غنى المنطقة باللغات والإثنيات والمعتقدات، تحت عنوان "جبال كردستان خليط طوائف وأقليات ولهجات صارعت التاريخ وصرعها الاضطهاد. فيليون وشبك تعرّضوا للأذى مرتين، إيزيديون ضيّعوا البحاثة، كاكائيون يؤمنون بالتناسخ". ونظراً إلى حساسية الموضوع بالنسبة إلى تلك الأقليات رأيت أن أشير إلى بضعة أخطاء تتعلق باللغة الآرامية السريانية ولهجاتها ارتكبها الكاتب في عرضه لذاك التحقيق.
.
يقول السيد قمورية كاتب التحقيق عن مرافقه بسام سامي "شاب في الثلاثينات لم تسمح له ظروف الحياة بتخطي المرحلة الابتدائية من المدراسة أو السفر إلى الخارج أو العمل مع الأجانب، ويستطيع أن يتكلم بطلاقة أربع لغات قديمة قدم التاريخ وتعد من الأصعب في العالم: العربية، الكردية، الكلدانية، الآشورية. لا بل إنه يفهم جيداً السريانية والآرامية القديمة لغة السيد المسيح". وبقوله هذا يعتبر أن اللهجات الكلدانية والآشورية والسريانية في العراق لغات منفصلة، لكنها في الحقيقة لهجة واحدة من اللهجات الآرامية العديدة وتدعى في عرف اللغويين الـ"سُورَثْ" وهي عينها لهجة آشوريي وكلدان الجزيرة السورية ومنطقة أورمية الإيرانية. تختلف قليلاً بحسب المنطقة التي تعود اليها واختلافها ليس في القواعد اللغوية المستعملة ولا في اللفظ الشرقي للغة الآرامية، بل في الكلمات المتداولة، فبينما نجد تأثير العربية الواضح على "سورث" سريان العراق، نجد تأثيراً كردياً أكبر على تلك التي تعود إلى كلدان كردستان.
.
وتعتبر الـ"سُورَثْ" التي يتكلم بها آشوريو وكلدان منطقة أورمية الإيرانية من أصفى لهجات الآرامية وبهذه اللهجة يغني مطرب الآشوريين الكبير إيوان أغاسي. ثم يضيف الكاتب إلى تلك اللهجة آرامية السيد المسيح، وهو قد نسي أن اللهجة التي تكلمها المسيح هي اللهجة الآرامية الفلسطينية الجليلية، ومع أنها قريبة إلى لهجة الـ"سُورَثْ" إلا أنها ليست هي نفسها كما ذكر، وقربهما يعود إلى أصلهما الآرامي المشترك.
.
ولمزيد من التوضيح فكلدان بابل وآشوريو نينوى كانوا يتكلمون الأكادية وهي أقدم اللغات السامية المعروفة، وبعدما تبنت الامبراطورية الآشورية الآرامية لغة رسمية للثقافة والتجارة والحرب، كما هو واضح أيضاً في الأسفار اليهودية المقدسة (العهد القديم)، أصبحت تلك اللغة لغة الهلال الخصيب الأولى، بها تكلم الآشوريون والبابليون والآراميون واليهود المسبيّون وبضع فئات أخرى سكنت تلك المنطقة. ومن الطريف أن يُعثر على آثارها في الصين والهند ومصر وأقصى جنوب شبه الجزيرة العربية.
.
ثم يكمل ويتحدث عن الشعوب الموجودة في تلك المنطقة ويعدد بينها "السريان" و"الأرمن" ثم يضيف "الآراميين"، وقد غفل عن أن الآراميين هم السريان تعددت فيهم التسميات.
.
الخلاصة هي أن آشوريي وكلدان وسريان (الآراميين) العراق يتكلمون اليوم لهجة واحدة تدعى الــ"سُورَثْ"، تُضمّ إلى بقية لهجات الآرامية كالـ"طُوريّة" لهجة سريان طور عبدين التركية، واللهجة الشامية لأهالي معلولا السورية والقرى المجاورة.
سيمون
.
نسخة من المقال المذكور أعلاه:
جريدة النهار
الثلاثاء 15 أيار 2007 - السنة 74 - العدد 23002
.
جبال كردستان خليط طوائف وأقليات ولهجات صارعت التاريخ وصرعها الاضطهاد 1 من 2
فيليون وشبك تعرّضوا للأذى مرتين، إيزيديون ضيّعوا البحّاثة، كاكائيون يؤمنون بالتناسخ
عين كاوا (كردستان العراق)
.
بطلاقة كان مرافقي بسام سامي يتحدث معي بالعربية لدى انتقالي من أربيل الى ناحية عين كاوا القريبة حيث تعيش غالبية مسيحية تؤوي آلاف العائلات المسيحية الاخرى المهجرة او الهاربة من بغداد ومدن عراقية اخرى بسبب الاوضاع المأسوية هناك. وبالطلاقة ذاتها كان يتحدث بالكردية مع رجال البشمركة ورجال الامن الاكراد الذين يتولون حراسة هذه الناحية التي صارت مقصدا لرجال الاعمال والمؤسسات الدولية العاملة في كردستان ومركزا لوجستيا مهما للقوات الاميركية، نظرا الى وفرة المطاعم والمقاهي والحانات المنتشرة فيها والانفتاح النسبي الذي تعيشه.
وسرعان ما تحدث بسام بالكلدانية لدى مخاطبته بعض الكلدان من أبناء البلدة وعدد من اللاجئين اليها ورجال الدين في كنيسة مار يوسف للكلدان الكاثوليك. والامر عينه تكرر في الكنيسة الاشورية عندما نطق لغتها ايضا.
كان أمر بسام محيّراً لي وللزملاء الذين كانوا معي... شاب في الثلاثينات لم تسمح له ظروف الحياة بتخطي المرحلة الابتدائية من الدراسة او السفر الى الخارج او العمل مع الاجانب، ويستطيع ان يتكلم بطلاقة بأربع لغات قديمة قدم التاريخ وتعد من الاصعب في العالم: العربية، الكردية، الكلدانية، الاشورية. لا بل انه يفهم جيدا السريانية والآرامية القديمة لغة السيد المسيح. ولعل هذه الموهبة كانت تؤهله لمركز خبير لغوي واتني من الطراز الرفيع لو أتيحت له فرصة التعلم الجامعي او الدراسة المتخصصة.
هذه الحيرة التي انتابتنا تبددت عندما روى لنا سيرته البسيطة والظروف الاجتماعية التي ساهمت في تكوين معرفته وثقافته العضوية. فهو سرياني من مواليد عين كاوا وبطبيعة الحال ينطق السريانية، وسجله العائلي مدرج في لوائح محافظة الموصل الواقعة خارج اقليم كردستان، الامر الذي اضطره الى التجنيد الالزامي في الجيش السابق والخدمة في بغداد ومناطق عربية اخرى مما جعله يتقن العربية. وبحكم الاختلاط مع الاكراد في عين كاوا وبقية الارجاء الكردستانية، تعلم الكردية. وبالمصاهرات العائلية بين الكلدان والاشوريين والسريان لم يكن من الصعب عليه تعلّم اللغتين الاخريين.
حال بسام كحال كثيرين من سكان كردستان وشمال العراق عموما حيث صارت هذه المنطقة منذ الزمن الغابر مزيجا فريدا من مختلف الاعراق والطوائف والاديان، منها ما يعود الى الحضارات الانسانية الاولى ومنها ما صار نادر الوجود في أماكن أخرى أو لم يسمع به كثيرون. فالى العنصرين الغالبين الاكراد والعرب، هناك التركمان والكلدان والاشوريون والسريان والارمن والاراميون. كما هناك الصابئة والشبك والبهائيون والكاكائيون والايزيديون وعدد من السومريين. وهي شعوب استقرت في بلاد ما بين النهرين منذ فجر التاريخ، او شعوب هربت من الاضطهاد والمعاناة طلبا للامان في جبال سلسلة زاغروس والبروز الشاهقة والوحشية والتي تشق بمنحدراتها وهضابها وسهولها ووديانها وانهارها كردستان وشمال العراق من اقصاه الى اقصاه.
.
اليهود والزرادشت
ومن الذين لجأوا الى هذه الجبال المجموعات اليهودية التي هربت من بابل بعد السبي الاول وكانت تتكلم الآرامية الاولى. وبتأثير منها اعتنقت مجموعة من الاكراد اليهودية. ولكن لم يعد في كردستان سوى اعداد قليلة من اليهود ويقيمون في زاخو والعمادية وانحاء اخرى من المنطقة الكردية الشمالية التي يطلق عليها اسم بهدنيان ويتحدث اهلها اللهجة البهدينية (وتسمى الكرمنجية في تركيا وسوريا والقوقاز وبعض الاجزاء الايرانية). وهي لهجة تختلف عن اللهجة السورانية المتداولة في المناطق الممتدة من جنوب أربيل حتى السليمانية وجزء من ايران. وهاجر عدد كبير من هؤلاء اليهود الى اسرائيل بعد اقامة الدولة عام 1948. ثم كانت الهجرة الثانية الكبيرة في التسعينات من طريق تركيا وقبرص. ويروي الباحث الانتروبولوجي في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية الدكتور هشام داود ان قسما من الاكراد المسلمين اغتنم هذه الهجرة للهرب مع المهاجرين اليهود. وقال إن مفاجأة الاسرائيليين كانت كبيرة عندما شاهدوا اعدادا من هؤلاء يقيمون الصلاة على الطريقة الاسلامية لدى وصولهم الى مطار بن غوريون. ومن الاكراد الذين برزوا في اسرائيل عدد من الضباط الكبار بينهم رئيسا الاركان السابقان موردخاي غور وأمنون ليبكين شاحاك. وبعد صدور القانون العراقي الجديد الذي يسمح للعراقيين ممن يحملون جوازي سفر دوليين بالعودة مجددا الى العراق، سرت انباء لم تؤكد عن عودة يهود أكراد الى كردستان وشراء اراضي فيها.
وفيما تعتنق غالبية الاكراد الاسلام بشقيه السني (الاكثرية الساحقة) والشيعي، لا يزال قسم صغير منهم يحتفظ بدينه الاصلي الزرادشتية التي تؤمن بالخير والشر ويوم الحساب.ويعود انقسام الاكراد سنة وشيعة الى انقسام الاكراد للمرة الاولى في التاريخ عام 1514 بين الامبراطورية العثمانية السنية والامبراطورية الفارسية الشيعية عقب معركة جاليدران التي انتصر فيها العثمانيون.والجماعة الشيعية الابرز هي الاكراد الفيليون (المصطلح يعني البسالة والشجاعة). وهؤلاء تعرضوا للاذى مرتين، مرة لانهم اكراد ومرة لانهم شيعة ومورست عليهم كل انواع البطش والتنكيل، وكانوا دائما هدفا سهلا لابتعادهم عن الجبال العالية التي كانت محرّمة عليهم. وعندما كان النظام السابق يلاحق الشيعة بتهمة العمالة لايران، كان الفيليون يدفعون الثمن، وعندما كان الاكراد يلاحقون بتهمة التمرد والانشقاق كان الفيليون ايضا هم من يدفع الثمن. وهم لم يفلتوا من الانتقام حتى اليوم.ويقول الصحافي فاروق حجي مصطفى ان احدا من الاكراد لا يشك في كردية هؤلاء وهم يتحدثون في ما بينهم الكردية وعندما يتحدثون العربية فانهم يتقنونها افضل من غيرهم من الاكراد. وتحتوي لهجتهم على مفردات عربية كثيرة بحكم متاخمة مناطقهم للمناطق العربية كالموصل وغيرها وبحكم ابعادهم قصداً عن تنفيذ بنود اتفاق آذار الذي ينص على تعليم الكردية في بعض مناطق كردستان وليس كلها.ومع ان بعض العائلات الفيلية لا يزال مشردا حتى الان في دول الجوار بعد مرور سنتين على سقوط النظام السابق، فان النظام الجديد لم يعمل بعد على اعادتها الى بيوتها، ولم يعمل على اعادة اموالها وممتلكاتها المنهوبة منذ عام 1980.
ويلمس زائر مناطقهم مدى الغبن الذي لا يزال يلحق بهم على رغم وجود نخبة مثقفة ومتعلمة وعلمانية مميزة في أوساط هذه الطائفة.
.
الشبك
وثمة اقلية أخرى يعتنق معظم افرادها المذهب الشيعي الجعفري وهي الشبك التي لها لغتها الخاصة التي يعتقد انها خليط من العربية والكردية والفارسية والتركمانية. ويستوطن الشبك قرى صغيرة شرق الموصل من تلعفر الى خانقين مرورا بكركوك.
ليست ثمة ارقام دقيقة عن عدد الشبك في العراق، الا ان الباحثين يرجحون انه يراوح حاليا بين مئة الف ومئة وخمسين الفا يتوزعون على أكثر من 60 قرية متفرقة. كذلك تختلف الاراء وتتقاطع في شأن اصلهم. فهناك من يعتقد انهم كرد عاشوا على ارض العراق منذ زمن غير معروف. ومنهم من يقول انهم اتراك نزحوا الى العراق مع عقيدتهم ومذهبهم في عهد الصفويين والخلاف مع العثمانيين. في حين يقول الدكتور داود جلبي انهم "جاؤوا من جنوب ايران وان لسانهم خليط من الفارسية والكردية والعربية والقليل من التركية وان لهجتهم أقرب الى لسان البلوش".
ويقترب التنظيم الاجتماعي للشبك من مراتب الصوفية ويسمى رجل الدين المبتدىء "المريد" وهو يرتبط روحيا بشخص أعلى مرتبة منه يسمى "المرشد" والمرشدون يرتبطون بمرجع اعلى يسمى "البير". أما أقدس كتبهم، فهو كتاب مخطوط بالتركية يسمى "الاوامر". ولهم نائب في الجمعية الوطنية العراقية، ونائبان في البرلمان الكردي.
والشبك مثل الفيليون يعانون بسبب مذهبهم، فهم شيعة بالنسبة الى الاكراد السنة وهم اكراد بالنسبة الى الشيعة وهذا الامر انعكس سلبا عليهم لدى تأليف اللوائح في الانتخابات العراقية والكردستانية الاخيرة على رغم حرص الاحزاب الكردية الرئيسية على عدم خسارة اصوات تعتبر كردية وتتوزع على قوائم اخرى.
.
الكاكائيون
اقلية صغيرة اخرى تنتشر شمال العراق هي الكاكائية التي، لسبب غير معروف، يشبهها بعض البحاثة العراقيين بالدروز. فاذا سألت باحثاً عن هذه الاقلية سألك فورا هل انت درزي؟
وتعتبر الكاكائية من المعتقدات الروحية الكردية القديمة التي تمتد جذورها الى آلاف السنين.
والبعض يرجع اصل الاسم الى كلمة "عم" او "خال" بالفارسية. لكن كلمة "كاكا" بالكردية تعني "الاخ" والكاكائية تعني "الاخوة الكبرى" وهو ما يرمز الى الشعور الديني وتأكيد الانتماء الى الكاكائية لدى افرادها.وينتشر الكاكائيون في منطقة السهل جنوب كركوك وشرق الموصل، وينطقون الكردية ولكن باللهجة السورانية. وشعائرهم وطقوسهم الدينية مدونة بها. ويؤمنون بوحدة الوجود وبأن الكون هو الله وبأنه لا يصح وصف الله باللون او اللغة او تسميته لانه نور لا يمكن ادراكه ومعرفته بوجه او بوصف. وكذلك يؤمنون بتناسخ الارواح وانتقالها من بدن الى آخر، وان الملائكة تتقمص صورة البشر، وهم يصلّون مرتين يومياً قبل بزوغ الشمس ولدى غروبها ويصومون يوماً واحدا يسمونه يوم الاستقبال وبعده يصومون ثلاثة ايام ويدعونها ايام الصوم ويوماً آخر يسمونه يوم العيد.
ويتشابه الكاكائيون مع الايزيديين باشياء كثيرة، فنسيجهم الاجتماعي يتألف من ثلاث طبقات: السادة، البير، الاخوان. والزواج بين افراد الطبقات الثلاث محرم وكذلك الزواج من خارج المجموعة. وتعدد الزوجات يعتبر مخالفة لديانتهم والطلاق من طرف واحد ممنوع.
ويحرص الرجال فيهم على عدم قص شواربهم، وهم مثل الايزيديين ايضاً لا ينسبون اعمال الشر الى الشيطان ويعتقدون ان ثمة صراعا بين متناقضات القيم: الخير والشر والطيبة والسوء.
ومن المع الشخصيات الكاكائية وزير الثقافة في الحكومة الكردستانية فلك الدين كاكائي.
.
الايزيديون
ولعل المجموعة الاكثر تعرضاً للاضطهاد والتي تكاد تندثر هي الايزيدية التي يحلو لبعض اعدائها ان يسميها اليزيدية لاسباب عقائدية او لاسباب قومية ويتهمها بأنها طائفة منحرفة عن الاسلام، فيما يؤكد اتباعها انها كردية اصيلة وان ديانتها كانت ديانة الاكراد قبل ان يتحولوا الى الاسلام بعد الفتوحات. ومن الصعب جداً ان يجمع باحثان على اصل هذه الطائفة او معتقداتها او تاريخها. وفي اي حال، يعيش معظم الايزيديين قرب الموصل وسنجار وسهل نينوى في العراق. وتعيش مجموعات اصغر في سوريا وتركيا وايران وجورجيا وارمينيا.ويعتقد بعض الباحثين ان انتماءهم القومي يعود الى القومية الكردية نظراً الى العادة المشتركة بينهم وبين الاكراد المسلمين حالياً، فأكثر الادعية والنداءات التي يطلقها الاكراد المسلمون مستنجدين بالله تكون ايزيدية بحتة وحتى العادات. فيوم الاربعاء مكروه فيه السفر لدى جميع الاكراد، وان دل هذا فانما يدل على ان الاكراد المسلمين حالياً كانوا ايزيديي الديانة قبل ان يتحولوا الى الاسلام. وفي المقابل ثمة باحثون يعتقدون ان هذه المجموعة هي فرقة اسلامية "منحرفة" ويربطون اسمها بيزيد بن معاوية والمطالبين باعادة الخلافة الى بني امية قبل ان يدخل على معتقداتهم التطرف والغلو. لكن باحثين آخرين يردون بأن تاريخ الايزيدية سبق ولادة يزيد الاموي بأكثر من الف سنة.
ويقول الباحث العراقي رشيد خيون إن "نسبهم الصحيح هو الى يزدان، احد اسماء الله التي يتعبدون بها وليس صحيحاً نسبتهم الى يزيد بن معاوية التي جاءت بتأثير قومي".
اما القاضي الايزيدي نمر كجو، فيقول ان "ايزيدي تعني عباد الله كوننا نؤمن بوحدانية الله ونقدس الملك طاووس والشيخ عدي بن مسافر البعلبكي من غير ان نشركهما بالله". ويؤمن الايزيديون بوجود الله كخالق للكون، لكنهم يعتقدون انه فوض امر تدبير الكون الى مساعده ومنفذ مشيئته الملك طاووس. وهم ينكرون وجود الشر وجهنم وان انتهاك حرمة القوانين السماوية عندهم يكفر عنه بطريق التناسخ والذي يؤدي تدريجاً الى صفاء الروح. ويدعون ان ابليس تاب عن تكبره امام الله وقبل الله توبته وعاد الى منزلته السابقة رئيساً للملائكة.
ولا يحبذ الايزيديون التعوذ من الشيطان الرجيم حتى ان النائب الايزيدي في الجمعية الوطنية العراقية حيدر قاسم ششو طلب ذلك علناً من رئيس الوزراء السابق ابرهيم الجعفري، فأثار لغطاً دفع البعض مجدداً الى اعتبار الايزيدية ديانة تقول بعبادة الشيطان وان اتباع هذه الطائفة هم عبدة الشيطان.
ومن المعروف عن الايزيديين انهم يكرهون اللعن ولا يحبذون جمع حرفي الشين والطاء ويتجنبون ذكر الشيطان، ويحرمون البصق على الارض. وتنظر الايزيدية بعين التقديس الى العناصر الاربعة: النار، التراب، الهواء والماء. ولها نظام طبقي ديني معقد جداً وتحرم الزواج على نحو قاطع بين الطبقات الثلاث المكونة منها البير والشيخ والمريد.وبحسب احصاءات منظمات الامم المتحدة، يبلغ عدد الايزيديين في العالم نحو 800 الف يعيش نحو 550 الف منهم في العراق.
وللايزيديين كتابان مقدسان هما: مصحف "رش" (الكتاب الاسود) للشيخ عدي بن مسافر الهكاري الذي يعتبره الايزيديون مجد ديانتهم يتناول فيه مسألة الخلق وتكوين العالم واصل الايزيدية، وكتاب "الجلدة" الذي يتضمن القصائد والادعية القديمة للايزيدية.ويقدس الايزيديون مرقد الشيخ عدي بن مسافر البعلبكي في لالش بقضاء شيخان شرق الموصل ويزورونه طوال ايام السنة وخصوصاً في عيد "اربعينية الصيف" في 2 آب. ويتولى زعامتهم حالياً اميرهم مير تحسين بيك.وبعد قتل فتاة ايزيدية رجماً لانها اعتنقت الاسلام الشهر الماضي، تجددت الحملة على الايزيديين وراح ضحيتها 23 ايزيدياً. كما نشرت مواقع اسلامية متشددة تدعو الى قتل هؤلاء بالسيف.ويؤكد فاروق حجي مصطفى انه على رغم المنح والخدمات التي تقدمها الحكومة لهذه المجموعة، فإن الايزيديين لا يزالون على خلاف حاد مع العملية السياسية الكردية، ويعود ذلك الى عاملين: الاول الموروث الثقافي وعقدة الهوية الطائفية والقومية، والثاني تجربتهم مع النخبة السياسية، اذ ان كثيرين منهم حرموا حق التصويت في الانتخابات السابقة بذريعة عجز اللجان الانتخابية عن ايصال صناديق الاقتراع الى مناطقهم قرب الموصل، كذلك خلت قائمة التحالف الكردستاني من مرشحين ايزيديين إلا واحداً جاء ضمن قائمة مرشحي محافظة نينوى البعيدة عن كردستان والموصل.
.
الكلدان والأشوريون
والاضطهاد لم يقتصر على المجموعات الصغيرة، انما شمل الطوائف المسيحية الكبرى مثل الاشوريين والكلدان والسريان الذين يعتبرون من اعرق الشعوب القديمة في العراق والذين عاش اجدادهم منذ آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين.
وقبل الحرب العراقية – الايرانية كان عدد المسيحيين من مختلف الطوائف يتجاوز المليون نسمة ويتوزعون في مختلف الارجاء العراقية في بغداد وخصوصا في منطقة الدورة وفي الموصل وكردستان والبصرة، لكن عددهم اليوم تراجع الى 250 الفا. وكانت الهجرة الاولى خلال تلك الحرب بسبب ظروفها والتجنيد الاجباري وتوجهت نحو اميركا واوروبا واوستراليا. ثم كانت الهجرة الثانية بعد سقوط بغداد عام 2003 والاقتتال الداخلي. وتكاد تخلو العاصمة العراقية من سكانها المسيحيين الذين يتلقون يوميا تهديدات بالقتل وانذارات بالرحيل.
وكنا في مكتب مدير ناحية عين كاوا ذات الغالبية المسيحية قرب اربيل فهمي متى سولاقا عندما تلقى نداء ممن تبقى من مسيحيي الدورة في بغداد يطلبون فيه تأمين ملجأ لهم بعدما تلقوا تهديدات بمغادرة بيوتهم في اقل من 48 ساعة او تهدم على رؤوسهم. ويؤكد القس الكلداني لويس قاقوز بنيامين السنجقلي انه لم يبق في البصرة سوى مئة عائلة مسيحية من اصل الفي عائلة كانت تقطن المدينة. وحصلت هجرات مماثلة في الموصل. واكد ان اكثر من مئة الف مسيحي نزحوا الى سوريا وخمسة آلاف الى لبنان، فيما انضم عشرات الآلاف الى اقاربهم في اميركا واوروبا واوستراليا ولا سيما النخب المتعلمة منهم.
وبعدما دمرت اكثر من 250 قرية مسيحية في كردستان وقتل المئات من المسيحيين في حملات الانفال في العهد السابق، شرعت الحكومة الكردستانية ابوابها مجددا للمسيحيين باعادتهم الى قراهم بعد ترميمها وبالسماح للاجئين بالاستقرار في عين كاوا وشقلاوة والسليمانية وغيرها من القرى وتأمين المستلزمات الضرورية للنازحين. واستقبلت نحو 1200 عائلة نازحة، وادى هذا النزوح الى ارتفاع الايجارات ولا سيما في عين كاوا حيث بلغ الايجار الشهري للشقة الصغيرة اكثر من خمسمئة دولار شهريا.وتعيش العائلات النازحة في ظروف صعبة في انتظار المساعدات الحكومية والكنسية او تلك الآتية من مناظمات الاغاثة.
وسألنا أم باسم لماذا هربت مع أولادها من بغداد، فأجابت: "الخوف الذي أخرجنا، بهدلة، ماكو شغل، ماكو كهرباء، ماكو أمان، ننام على السطح ينزل علينا الرصاص، ننام جوا يأكلنا البرغش، تركنا كل شيء ومشينا".
والى جانبها كانت جارتها في بغداد أوديت التي جاءت لزيارتها. وعندما سألناها كيف صمدت هناك، أجابت: "ابقى في البيت ما نقدر نطلع. روحي طلعت هناك. ولكن في البيت أمان. أخاف على نفسي ما اطلع. اليوم على الطريق انا وجاي انفجرت سيارة". وتؤكد انه لم تبق سوى عائلتين مسيحيتين من اصل العشرات في الحي الذي تسكن فيه والباقون رحلوا.وعندما سألنا فهمي متى عن سبب تهجير المسيحيين، أجاب: "صاحب الفتنة يعرف لماذا". وأنت ماذا تعتقد؟ قال: "الارهاب يعتقد ان المسيحيين يعملون لمصلحة الاميركيين!".
.
سهل نينوى
ومنذ فترة قدمت مجموعة مشتركة من الاحزاب الكلدانية والاشورية والسريانية اقتراحات الى لجنة اعداد مسودة دستور اقليم كردستان العراق تطالب بمنح المسيحيين حكما ذاتيا في سهل نينوى شرق الموصل والحاق السهل باقليم كردستان. وأثارت هذه الدعوة لغطا في شأن الكيان المسيحي في العراق.لكن الامين العام للمنبر الديموقراطي الكلداني سعيد شامايا أوضح ان مطالبة المسيحيين بـ"كيان ذاتي لهم لا يعني الانسلاخ عن العراق".اما القس السنجقلي، فشدد على ان لا شأن للكنيسة بهذا الامر قائلا ان "العراق يجب ان يكون للجميع".
في حين استبعد رئيس البرلمان الكردستاني عدنان المفتي في حديثه الى "النهار" هذا الامر في الوقت الحاضر، وقال ان القرى المسيحية تعتبر نفسها جزءا من كردستان وعلينا انتظار النظام الفيديرالي للعراق الذي سيتحدد لاحقا وما اذا كانت محافظة الموصل ستقرر الانضمام مع محافظة صلاح الدين في اقليم فيديرالي واحد".
أمين قمورية

رسالتان... وفاتورة كهرباء!

في شهر أيلولَ الفائت حللتُ منزلَ صديقي ضيفاً، ومنزلُه يقعُ في "حيّ الأرمن" في مدينة حمص السوريّة. كانَ عامٌ قد مضى على آخر لقاءٍ لنا! عرفتُه يومَ التقينا في الجامعة في لبنانَ ودامتْ صحبتُنا حتّى اليوم. كانَ مسروراً جداً لهذا اللقاء وتحدّثنا في أمورٍ شتّى وقصَّ عليّ رواية حبّه الجديد وحلمه في توطيد العلاقة لبناء مستقبلٍ زوجيّ قريب. تسامرنا طوالَ المساء ندخّنُ ونشربُ المتّة "عصير" أهل حمص المُفضَّل.
.
في اليوم التّالي خرج إلى عملِه وذهبتُ أنا إلى سوق الجمعة! مررتُ بالسّوق الملقى على جانبي الطريق طولاً وعرضاً ووقفتُ أمام "بسطةٍ" طويلةٍ لبيع الكتب والمجلات وأشياءَ أخرى كثيرة، وأمام تلّة من "مجلّة العربي" الكويتيّة وضعتُ ركبةً على الأرض وأخرى تسندُ ذراعي الأيسر ورحتُ أقلّبُ في أوراقِ أعدادها التي تعود إلى الستّينات من القرن المنصرم.
.
في أحد الأعداد عثرتُ على رسالتين إحداهما خطّية والأخرى مكتوبة على الآلة الكاتبة وفي آخرها ملاحظة بخطّ اليد. كما وجدتُ بينهما فاتورة عتيقة من فواتير الكهرباء.
.
هاتان الرّسالتان موجّهتان إلى رجلٍ واحد، ليس فيهما من الثّمين ما يُذكر، وبرغم ذلك شئتُ أن أنقلهما إليكم، لطرافتهما، وذكرى لأولئك الذين تبادلوهما يوماً!
.
ملاحظة: عدّلتُ قليلاً في إملاء ونحو اللغة دون المسّ بالكلمة أو النصّ، كما أضفتُ طائفةً من علامات التّرقيم لإيضاح المعنى كما ورد.
.
الرّسالة الأولى (على الآلة الكاتبة):
"الأخ العزيز السيّد عبد الباسط المحترمتحيّة صادقة، ويكفيها أنّها صادقة. تحيّة شوق، وجمّها أنّها تحيّة شوق. لو تدري معنى الشّوق، لكنتَ غير الذي أنت عليه الآن، ترغبُ لنفسِك، وتدورُ حولَ ذاتِك، ولا ترى إلا بعينِكَ. أتمنّى لكَ أن تسيرَ الأمورُ على وتيرةٍ واحدة، حتّى لا تُفاجأ بغير الذي ترغبُ به، ولكي لا تلفّ ذاتَك حول محاورٍ أخرى لا ترضى عنها، ولكي لا ترى بعيونٍ غير العيون التي ترضى عنها. لكنْ يا صاحبي، الذي أؤمن به غير الذي أتمنّاه لك. هناك رغبات شتّى ومئات من المحاور، كل واحد في اتّجاه معيّن، وألف عين، كلّ واحدة تنظرُ لزاوية خاصّة بها. يجب أن لا نعيشَ لأنفسِنا، ولا تسألني لماذا! فالحياة تسع الجميع، الحياة تمنحنا الكثير، وعلينا أن نردَّ جميلَ الحياةِ. الحياةُ تجمعُ من عطاءات الأفرادِ، وتكون الحياض الفيّاضة، وتوزّعها ترعاً، كلّ واحدٍ يرتوي من ترعة. فإن نحنُ لم نزوّد الحياضَ، ستجفّ يوماً! لا تسألني عن السّبب، أنت تعلم يا أخي عبد الباسط.
عندما تحضرُ والدتي لطرفِك أرجو أن تُسلّمها مبلغ 25 خمسة وعشرين ليرة سوريّة فقط لا غير.
أرجو أن تبلّغ سلامي لجميع من يسأل عنّي بطرفكم. وأخصّ بالذّكر الأخَ السيّد "أبو المجد"، أرجو أن تبلّغه أنّني أبداً لا ولن أدسَّ السّم في الدّسم، لأنَّ هذا يتنافى مع خلقي. وسلامي إلى الإخوة رفيق ورشيد والسيّد صبحي الرّفاعي والأخ طاهر، أتمنّى له التوفيقَ، ولباقي الأصحاب جميعاً ألف تحيّة عطرة.
واسلمْ لأخيك صالح
[الملاحظة التالية مكتوبة بخطّ اليد]: أخي عبد الباسط، لا أريدُ أن ألفت انتباهَك لموضوع دراسة أهليّة التعليم، ففيها ترك مؤقّت للدراسة الجامعيّة. ثمَّ أنتَ الذي رغبتَ بذلك. أرجو دائماً أن تصلني كافّة المعلومات بما يختصّ بالدّراسة ومواعيد الفحص، لأنّني هنا عامل استعصاء ضمن المؤسّسة.
أصبح لدينا هاتف برقم 27054. خبّرنا في الأمور المستعجلة.
.
الرّسالة الثّانية (مكتوبة باليد):
"دمشقَ في 3- 11- 1965
أخي العزيز عبد الباسط المحترمتحيّة عطرة وسلامات حارّة وبعد
لقد ظهرتْ نتائجُ الامتحانات البارحة، ولكن يا للأسف العميق، لم أستطع قراءة اسمَكم ولا في أيّة مادّة سوى الإنكليزي. وكلّي أمل أن يكونَ نصيبُكم في المرّة القادمة أحسن وأفضل من ذلك.
إذا كانَ من الممكن أن تُكلّفَ السيّد رشيد بأن يحصلَ لي على كتاب يُشعر بأنّي كنتُ [كلمة غير مفهومة] مع البلديّة من التاريخ الفلانيّ إلى التاريخ الفلانيّ، أو يحصل على صورة مصدَّقة عن العقد وذلك لتقديمها إلى نقابة المهندسين بدمشق، حتّى يُسمحَ لي بمزاولة المهنة، وذلك بعدَ أن تمَّ تأميلُنا.
لقد طلبتُ في هذا اليوم إجازة أسبوع تبتدئ من [كلمة غير مفهومة]، ولكنْ على الأغلب سوفَ لن أحصلَ عليها! آملُ أن آخذَها في الأسبوع المُقبل إن شاءَ اللهُ!
أرجو أن تبلّغ سلاماتي إلى جميعِ الأصدقاء، ودمتم سالمين.
المخلص[توقيع يبتدئ بحرف العين].
.
تنتهي الرّسالتان وبالاطّلاع على فاتورة الكهرباء نقرأ الاسمَ "عبد الباسط السـ اج". رقمُه المتسلسل في المؤسّسة العامّة لكهرباء سوريّة (مديريّة المنطقة الوسطى) "8045". ومجموع ما صرفه في شهر كانون الأوّل لعام 1971 يبلغ "6,97" ليرة سوريّة.
.
نسيتُ أن أقول إنَّ صاحبَ "البسطة" طلبَ ثمناً للنسخة الواحدة خمس عشرة ليرة سوريّة، وبعد "بازارٍ" طويلٍ عريض (بس للحركشة والنكوشة) باعني النسخة بعشر ليرات! العمى شو غليان سوق الجمعة.
.
حملتُ ما استطعتُ حملَه من الأعداد وحاولتُ أن أجمعَ منها الأقدم، وسألتُه أن يعطيَني كيساً، إلا أنّه اعتذرَ فنفحتُ صبيّه عشر ليرات فذهبَ يبحثُ لي عن كيسٍ بين الخرائب! عادَ بعدَ قليل وفي يده كيسٌ أزرق مهترئ على شاكلة جيبي. قلتُ في نفسي "لا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله" ووضعتُ كنوزي فيه وحاولتُ حملَه إلى أقرب سيّارة أجرة حملتني إلى المنزل، ومكثتُ طوالَ ذاك اليوم موضوعَ سخريةٍ من صديق الدّراسة!!!