الثلاثاء، أكتوبر 15، 2013

عصرٌ جديد!



لستُ أدري ما الذي دفعني إلى استفقاد المدوّنة هذا اليوم بالذّات! اليوم عينه الذي كُتبتْ فيه تدوينتي الأخيرة قبلَ عامٍ واحدٍ بتمامِهِ وكمالِهِ. سنةٌ كاملةٌ رحلتْ بأيّامها الثّلاثمئة والخمسة وستّين والمدوّنةُ قفرٌ يزورها واحدٌ أو اثنان أو أكثر ثُمَّ يغادروها لكثرة الوحشة التي تعبّأت في جوانبها، ولعلَّ هذه الوحشة العميقة تعبّأتْ في قلبِ صاحبِ المدوّنة حتّى فاضت فأهملها وقرّر الرّحيل قبلَ عامٍ إلى عالمٍ آخر، عالم الفيسبوك المليء بالضّجيج والصّخب والألوان... والتّفاهات والترّهات والجهل والغباء!


عالمُ الفيسبوك الجديد مختلفٌ كلَّ الاختلاف عن بقيّة العوالم، فهو عالمٌ مكشوفٌ مفضوحٌ تجدُ فيه الكثير لكنّك لا تنتفع منه بسوى القليل القليل وكثيرًا ما تخرج خالي الوفاض لا شيءَ بين يديك سوى اندهاشٍ عميق أمام عالمٍ انقلبَ إلى مظهرٍ وشكلٍ قميء، قلبُه فارغ من كلِّ معنىٍ وعاطفة، ورأسه عبارة عن سلّة مهملات، فأمّا حياتُه فماذا يُقالُ فيها غير سذاجةٍ بلغتْ أقصاها! ومع ذلك تجدنا منجذبين إليه نصرفُ فيه أوقات الملل والفراغ وغير الفراغ، ونحاول أن نصنعَ بين صفحاته شيئًا جديدًا نافعًا عسى أن يصبحَ رسالةً يتلقّفها الأقرباء والأصدقاء فتستمرّ بهم. والحقيقة أنَّ هذا العالم لم يعدْ يطيق قراءة النّصوص الطّويلة فوقته أثمن من صرفه عليها، ولا حفظ المأثورات لكثرتها، ولا البحث عن حقيقة ما يُنشر أو يُذاع... أصبح همّه الوحيد استهلاك ما يُقدّم بأسرع وقت وأقلّ كلفة وتحويل هذا العالم الجميل الذي نحيا فيه إلى عالمٍ عبارة عن وجبةٍ سريعة تُلتهم على عجلٍ لتخرج أخيرًا إلى غير رجعة، بشكلٍ روتينيٍّ مملٍّ، لا متعة فيه ولا فائدة!


حتّى الكتابة فقدت هيبتها بعد أن أباحَ الإنترنت السّرقة والاغتصاب والتّلفيق والتّزوير والتّشويش بلا حسيبٍ أو رقيب، ولم يعد الكثيرون يرون فيها ما كان يُرى فيها قبل أعوام، شأنًا راقيًا وصناعة مميّزة تدلّ إلى نخبةٍ وإبداع! وأولئك الكثيرون الذين فقدوا هذه النّظرة وهذا الاعتبار كسروا أقلامَهم النّاشئة أو الشّابّة أو النّاضجة، وطفقوا يدعون إلى كسرِ جميع الأقلام. فما معنى القلم في عصرٍ فقدَ إحساسه بالورق ولم يعدْ للكتاب مكانٌ فيه؟! والطّباعة التي رافقت البشر خمسة قرون شارفت على الموت، وبات عصرها الهزيل المتهالك يبشّر بعصرٍ آخر للمعرفة والاتّصال بين البشر!


عامٌ هجرتُ فيه مدوّنتي بعد أن امتلأت نفسي بالوحشة والكآبة والعزلة، لأعود في اليوم عينه، في الخامس عشر من شهر تشرين الأوّل، من فصلِ الخريف المتداعي، معبّأً بالتّشاؤم والخوف والقلق من العصرِ الجديد المقبل بسيلِه الأسودِ الجارفِ عصرَ المدوّنات الجميل وسهولَ الأفكارِ الخصبة محوّلًا كلَّ شيءٍ إلى صحراءٍ وقفرٍ تمامًا كإنسان هذا اليوم!