الخميس، ديسمبر 25، 2008

امرأةٌ ورحيل!

الجُمعة 10 حزيران 2005 (أمستردام)
.
اضطرابي قبل السّفر له مذاقٌ متميّز! يلهبُ قلبي بنيرانِ المعرفة والتجربة المجهولة، فأبقى أحدّقُ بعينين لا تريان شيئاً ممـّا هو آت. كنتُ على موعدٍ هذا المساء مع رحلةٍ تمتدُّ بين روما والعاصمة الهولنديّة على متنِ طائرةٍ من أسطول KLM. بعدَ الغداء زارني أحدُ الأصدقاء ومضى يشكي لي ويبعثُ بهمومِه المطويّة ولواعج قلبِه الكسير في غربةٍ لا شيء يفكّ قيودها سوى الصّبر والاحتمال! حدّثني عن رغبته في زيارة أهلِه وبلدِه إلا أنَّ فقرَ الحال يمنعه عن هذا الحنين.
.
في الرّابعة والنّصف عصراً غادرتُ المنزلَ وعبر الحافلة فمترو الأنفاق فالمحطّة الرئيسيّة تيرميني في روما فالقطار بلغتُ مطار ليوناردو دا فينتشي الدّوليّ. ومن هناك حملتنا ذاتُ الجناحين في الثّامنة لتحلّقَ في جوٍّ مليءٍ بالسّحبِ والآمال!
.
بعدَ ساعةٍ برزتْ من الأرضِ جبالُ الألبِ بشموخِها وأنفتها، ترتدي ثلوجَ الوداع، وترتفعُ رؤوسُها إلى ما فوق الغيوم متوَّجةً بالأبيض وكأنّها ترفضُ استقبالَ الصّيفِ وتعلنُ عن أمدِ الشّتاء الطّويل.
.
كم كانَ مشهداً يأسرُ الألبابَ والأبصار، وما كنتُ أحسبني أحيا لتلقى عينايَ جمالاً يسبحُ بين السُّحبِ ويُحدّثُ بمجدِ الخالقِ وآثارِ ريشته فوق الثّرى. وبعدَ قليلٍ واجهتنا الشّمسُ محمرّةً من شدّة النّعاس، تريد أن تشيح بوجهها لتضعَه على وسادة الغروب. كانت المرّة الأولى في حياتي أن أرى شمساً عندَ المساء! كم تحملُ لنا الحياةُ من أشياء وأشياء!
. بجانبي جلستْ امرأةٌ جميلةٌ يختلطُ حسنَها بين الشّرقِ والغرب، وطوال الرّحلة مكثنا صامتَين، يغيبُ كلٌّ منّا في أفكارِه وأحلام يقظته، ولا يرضى أن يكسرَ الصّمتَ أو يطأ عتبةَ الآخر بكلمةٍ أو حرفٍ صغير!
.
كنتُ حينها أعبثُ بدفتري هذا وأخطّ فيه سطوراً، آنَ لها اليومَ أن ترى النّورَ، وأقلّب أوراقي وقصاصاتي، ومن بينها جواز سفري الذي يتربّع في وسطِه نسرٌ ذهبيٌّ يقول: "هنا سورية". ما أن لمحته تلك السيّدة حتّى ابتسمت والتفتت إليّ وقالت: أنتَ إذاً تتكلّمُ العربيّة! فقلتُ: نعم... أنا من سورية. وأنتِ؟ قالتْ: والدي حلبيٌّ سوريّ ووالدتي هولنديّة، وأنا متزوّجة من سعوديٍّ ولي منه طفلان.
.
أخذنا الحديثُ فأكلَ بقيّة وقت الرّحلة وعلمتُ منها أنّها تقيمُ مع زوجها وطفليها في الإمارات لأنَّها اشترطتْ قبلَ الزواج أن تعمّدَ أولادها ووافقَ السعوديُّ محبّةً فيها، ولهذا، كما أخبرتني، صعبٌ عليهما أن يبقيا في المملكة. يا لهذه المفارقات... !!!
.
قالتْ لي: إنَّ أخاها سوفَ يأتي لاصطحابِها إلى بلدةٍ قريبة من العاصمة حيث مسكنه، والوقتُ متأخّر، وإنْ أحببتُ مكثتُ عندَهم هذه الليلة، وفي الصّباح ذهبتُ إلى عملي وشؤوني! اعتذرتُ بأدبٍ وشكرتُها كثيراً وأخبرتُها أنّي راحلٌ إلى بلدةٍ تبعدُ ثلاث ساعات عن أمستردام ومن المفضَّل أن أسافرَ على الفور. وبعدَ هبوطِ الطّائرة وقفتُ أنتظرُ حقيبتي بينما رحلتْ!
.
ومن بعيد ومن خلف الزّجاج الفاصل بين قاعة استلام الحقائب والتفتيش وبين قاعة المسافرين لمحتُها تلوّح بذراعَيها وفي كفّها بطاقةٌ صفراء. اقتربتُ منها فأعطتني تذكرةً للقطار الذي سيحملني إلى تلك البلدة وأخبرتني عن الموعد وكيفَ الوصول إلى المكان! تلك اللحظات أغلقتْ عليَّ الكلماتُ الأبوابَ وأوصدتْ فمي فتركتُ عينيَّ يشكرانها وهذه الطّيبة والسّخاء اللذين أغدقتهما عليّ دون منّةٍ أو حساب! من تحت الزّجاج وعبر الشقّ الصّغير أعطيتها الثّمنَ وعدتُ لأحملَ حقيبتي وأسافر من جديد إلى بلدةٍ لا أعرفُ شيئاً عنها ومنها إلا اسمَها ومحلّها!

الأربعاء، ديسمبر 17، 2008

فيروز في تراتيل الميلاد وتسابيح الرّوح

Adeste fideles أديسْتِه فِيديليسْ
وهو نشيدٌ ميلاديّ كاتبُه الأصليّ ما زال مجهولاً، الأمرُ الوحيد الذي نعرفه عنه هو اسم ناسخه، أي الرّجل الذي نقلَ النص واللحن، وهو السيّد جون فرنسيس John Francis Wade الذي نقله عن نشيدٍ إنجليزيٍّ شعبيّ بين عامي 1743 و1744 من أجلِ استعمال جوقة كنسيّة كاثوليكيّة في Douai الواقعة في شمال فرنسا، وقد كانت هذه المدينة حينها مركزاً هامّاً للكاثوليك المضطهدين في إنجلترا. النشيد مؤلّف من ثمانية مقاطع، كتبَ منها السيّد جون الأوّل والخامس والسّادس والسّابع؛ فأمّا الثاني والثالث والرّابع فقد أُضيفت في سنة 1794 على يد جان فرنسوا Jean Francois Borderies، والثّامن على يدِ مجهول (عن ويكيبيديا الإيطاليّة).
.
أنقلُ إليكم يا أصدقاء المقاطع الأربعة الأشهر ومن بينها تلك التي ترنّمت بها السيّدة فيروز:
,Adeste fideles læti triumphantes
.venite, venite in Bethlehem
.Natum videte Regem angelorum
(Venite adoremus (ter
.Dominum
.
,En grege relicto humiles ad cunas
,vocati pastores adproperant
.et nos ovantes gradu festinemus
(Venite adoremus (ter
.Dominum
.
,Æterni Parentis splendorem æternum
,velatum sub carne videbimus
.Deum infantem pannis involutum
(Venite adoremus (ter
.Dominum
.
Pro nobis egenum et fœno cubantem
;piis foveamus amplexibus
?sic nos amantem quis non edamaret
(Venite adoremus (ter
.Dominum
.
حمّل الترتيلة:
.
.
I wish you a Merry Christmas
.
(I wish you a Merry Christmas (x3 .and a Happy New Year
.
Good tidings I bring to you and your king .I wish you a Merry Christmas and a Happy New Year
.
حمّل الترتيلة:
.
.
أرسلَ اللهُ
من الليتورجيّا السريانيّة المارونيّة
إعداد الأخوين رحباني
أرسلَ الله ابنَه يسوع نوراً للأنام
حينَ ولدتْه مريمُ البتول حُلمَ الأيّام
أشرقَ نجمُه بحدود فارس فأطلَّ السَّلام
وأنارَ المجوس فحملوا إليهِ هدايا الإكْرام
هالِل هالِل هالِلونوي
تسعة أشهرٍ حملتْ مريم حامِلَ الأكوان
ولم تحسّ إلا وداعةَ طِفلٍ إلهٍ وإنسان
زادها طهراً ومكثتْ بتولاً تُدهشُ الأذهان
قبلَ الميلاد وفيه وبعده وما دام الزّمان
هالِل هالِل هالِلونوي
لك للآب وللرّوح القُدس شكرٌ محتوم
ثلاثة أقانيم إلهٌ واحد ليسَ بمَقسوم.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
مْلوك المجوس
كلمات جوزيف حرب
ألحان Bizet من إعداد الأخوين رحباني
مْلوك المجوس بْليلة الميلاد والتَّلج مغطّيلن تيجانُن
لحقوا عالطَّريق بنجمة الميلادْ لعند الطّفل اللي اسمو يسوع
مَعْهُن بَخّور ودَهَب وحَرير وأساميهن كتبوها فوق سْيوفهُن
جايي الليلة مْلوك المجدْ لعند الملك اللي اسمو يسوع
شافوا طفل عَ كومة قش وحدّو إمو عَمْ بتْصَلّي
تركوا السَّيف وشالوا التّاج وحنيوا روسُن للملك الإله
والنّجمة تْضوّي فوق الباب والمغارة صارتْ تشبه سَما صغيرِة
وقفوا على بابا الرّعيان يصلّوا يصلّوا للمَلك الإله.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
تْزَكَّر يا حبيبي
كلمات جوزيف حرب
ألحان هندل من إعداد الأخوين رحباني
تزَكّر يا حبيبي لَيل وسَهر البيوتْ بـيروتْ بـيروتْ بـيروتْ
لَيلـيّة نْجومْ كتير
تنزَلْ تسهرْ وتطيرْ
عَ شْبابيك البيوتْ قَناطر البيوت
بيروتْ بيروتْ بيروتْ يا بيروتْ
تزكَّر يا حبيبي
بيروت بيروت بيروت
بيروت زعلانة كتير
بيروت سهرانة كتير
بيروت بيروت يا بيروت.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
تَلْج تَلْج
كلمات وألحان الأخوين رحباني
تَلْج تَلْج عَم بتْشَتّي الدّنْيي تَلْج
والنّجماتْ حَيرانين وزْهور الطّرقات بردانين
تَلْج تَلْج عَم بتْشَتّي الدّنيي تَلْج
والغَيمات تَعْبانين عالتلّة خَيْمات مضويّين
ومْغارَة سهرانة فيها طفْل صْغيرْ
بعيونو الحليانة حُبّ كْتير كْتيرْ
تَلْج تَلْج عَم بتْشَتّي الدّنْيي تَلْج
كلْ قَلْب كلْ مَرْج زَهّر فيه الحب متل التَّلْج
وجاي رعيان مْن بْعيدْ
وَين الطّفل المَوعود؟
هَونْ يا رعيان العيدْ
هَون الليل المنشودْ
تَلْج تَلْج شَتّي خير وْحب وْتَلْج
على كلْ قَلب وعلى كلْ مَرج
ألفة وخير وحب متل التَّلْج.
.
حمّل الترتيلة:
لحن آخر:
.
.
روح زورْهُن ببَيتهن
كلمات جوزيف حرب
ألحان Negro – Spiritual من إعداد الأخوين رحباني
روحْ زورْهُن ببَيتْهن بَيتُن فَقير ما عندنْ شي
روحْ زورْهُن ببَيتْهن قلّن خلقْ يَسوعْ
لوّنْ سَوادْ تْيابْهُن دَهّب لهن شي نْهارْ
عَلّق قَمَرْ عَ بْوابهُنْ في بَرْد خدْلُن نارْ
عتْقتْ سْنين عْيادهُن ما يومْ لبسوا جْديدْ
وبَعدُنْ صْغارْ وْلادْهُن يا عيد زورنْ يا عيد
روحْ زورْهُن ببَيتْهن بَيتُن فَقير ما عندنْ شي
روحْ زورْهُن ببَيتْهن قلّن خلقْ يَسوعْ... الليلة خلقْ يَسوع.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
شوبحو لهاو قولو (سبحان الكلمة)
كلمات وألحان مقتطفة من الليتورجيّا السريانيّة المارونيّة
إعداد الأخوين رحباني
ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܗܰܘ ܩܳܠܳܐ ܕܰܗܘܳܐ ܓܽܘܫܡܳܐ
Shubĥo lhau qolo dahuo gushmo
سبحانَ الصّوتَ الذي تجسّمَ
ܘܰܠܡܶܠܰܬ ܪܳܡܳܐ ܕܰܗܘܳܐ ܦܰܓܪܳܐ.
Ualmelat romo dahuo faghro
وسبحانَ كلمة العلى الذي تجسّد.
ܫܡܰܥܳܝܗܝ ܐܳܦ ܐܶܕ̈ܢܶܐ ܚܙܰܝܳܝܗܝ ܥܰܝ̈ܢܶܐ
Shma’oi of edne hzaioi ‘aine
سمعتهُ الآذانُ رأتهُ العيونُ
ܡܳܫܳܝܗܝ ܐܳܦ ܐܺܝ̈ܕܶܐ ܘܐܶܟܠܶܗ ܦܽܘܡܳܐ
Moshoi of ide wekhleh fumo
لمستهُ الأيدي وأكله الفمُ.
.
سُبحانَ الكلمة السّرَّ العَظيمْ
مَنْ تَوشَّح جِسْمَنا الإله القَديمْ
آتياً يَفْتَدينا مِنْ هَولِ الجَحيمْ
مُبعِداً عَنْ رُبوعِنا كلَّ لَيلٍ بَهيمْ
الخيرُ في بيوتِنا الحُبُّ والأَمانْ
زائرُنا يَسوع غَنينا للزَّمان.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
عامانو موريو
كلمات وألحان من الليتورجيّا السريانيّة المارونيّة
إعداد الأخوين رحباني
ܥܰܡܰܢ ܗܽܘ ܡܳܪܝܳܐ ܥܰܡܰܢ ܗܽܘ ܡܳܪܝܳܐ
amanu morio ‘amanu morio'
معنا هو الربُّ، معنا هو الربُّ
ܥܰܡܰܢ ܗܽܘ ܡܳܪܝܳܐ ܒܠܺܠܝܳܐ ܘܒܐܺܝܡܳܡܳܐ.
amanu morio blilio w bimomo'
معنا هو الربُّ ليلاً ونهاراً.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
عيد الدّني
كلمات جوزيف حرب
لحن ألماني من إعداد الأخوين رحباني
عيد الدّني راس السّنة بيتي هدايا وْزينة
في شْموع وجْراس تدقّ بعيدْ
وزْهور لونا أَحْمر ونبيدْ
عيد الدّني راس السّنة بسهرة أنا وحَبيبي
راس السّنة أنت وأنا وْسَجْرة زْغيرة مضوّاية
قنديلْ أَصْفر على بابي وتَلْج
ونْجوم عَم تلمعْ متل التَّلْج
وتَحت الشّتي جايي سنة ما منعرفْ شو مخبّاية.
راحتْ سنة طلّتْ سنة لونا أَبْيض وجْديدة
الولادْ ترسُم عَ وجوهن عيدْ
والنّاس تعطيهنْ عمر جْديد
وتغفى سنة وتوعى سنة وأنتَ تبقى حَبيبي.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
صوت العيد
كلمات وإعداد الأخوين رحباني
لحن Franz Gruber
عَيّد الليل زَهّر الليل
صوت العيد ضوّا الليل
موجي يا سَما بالعناقيدْ
هلّي بالحلا بالمواعيدْ
زار الليل يَسوعْ
لوّن الليل يَسوع
رايحا تْزور كوخْ مَسْحورْ
دَرْبها قْمار وتَلْج وزْهور
وْلعب طايرة ويضحكوا وْلادْ
أَرضْنا ناطْرة والسَّما عْيادْ
زار الليل يَسوعْ
لوّن الليل يَسوع.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
كنّا نزيّن سَجْرة زْغيرة
كلمات جوزيف حرب
لحن بيزنطي من إعداد الأخوين رحباني
كنّا نْزيّن سَجْرَة زْغيرة ونْعَلّق فيها جْراسْ
عْليها نْجوم بْيلمعْ لَونا بْيلمعْ متْل الألماسْ
مليانة بْتَلْج ومليانة مْلبَّس أَبْيض بكياسْ
يا أَجْراس وَعّي النّاس للقدّاس يا أَجْراس
يا أَجْراس الليلة عيد وَعّي النّاس
كان عْليها مْسابح زَرْقا وشَمعَة زْغيرة ولَمْباتْ
حَمْرا وصَفْرا تْضوّي وتِطْفي بْتشْبه ضَوّ الطّرقاتْ
بين غْصونا شْرايِط فضّة ورفّ طْيور وبالوناتْ
يا أَجْراس وَعّي النّاس للقدّاس يا أَجْراس
يا أَجْراس الليلة عيد وَعّي النّاس
نقعدْ حتّى نطلّع فيها نْلاقي في عْلَيها قْلوب
ميْة طابة حَمْرا نفْزَع أنّو توقَعْ وتْدوبْ
فوقا كَرْتْ زْغير مْلَوّن وبْقَلبو في مَكْتوب
كلْ عيد وأنتو بْخَير أنتو بْخَير
كلْ عيد وبَلَدي بْخَير بَلَدي بْخَيرْ
كلْ عيد وبَلَدي بْخَير بَلَدي بْخَيرْ.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
ليلة عيد
كلمات وإعداد الأخوين رحباني
لحن من التراث الأميركيّ
لَيْلة عيد لَيْلة عيد الليلة لَيْلة عيدْ
زينة وْناسْ صَوت جْراسْ عَم بترنّ بْعيد
لَيْلة عيد لَيْلة عيد الليلة لَيْلة عيدْ
صَوت وْلادْ تْياب جْدادْ وْبوكرا الحب جْديد
عَمْ يتلاقوا الأَصحابْ
بهديّة خَلْف البابْ
في سَجْرة بالدّار
ويْدوروا وْلاد زْغارْ
والسّجْرة صارتْ عيدْ
والعيدْ سْوارة بإيد
والإيد تْعلّق عالسَّجْرة غنّية وعْناقيدْ
يا مْغارة كلا بْيوتْ
تلْمعْ متْل الياقوتْ
كيفْ جِبْتي عالدَّار
تَلْج وشْرايطْ وقْمارْ
مين اللي جاي بْعيدْ
عَم بيرشّ مْواعيدْ
يدقّ بْواب النّاس
ويمشي والخير عْلَينا يْزيدْ.
.
حمّل الترتيلة:
لحن آخر:
.
.
نجمة العيد
كلمات ألحان الأخوين رحباني
ضَوّي بلْيالي سَعيدة يا نجمة بَيتا قَريبْ
جاية مِنْ دنيي بْعيدة تتْلج عَ هالكون طيبْ
يا سَما وْتتْلج أَشْعار وْسَلامْ
يا سَما وْتتْلج أَشْعار وْسَلامْ
حكْيولي حْكاية غَريبة والأَرْض عْيونا دْموعْ
قولي قولي يا حَبيبي جايي لَعنّا يَسوعْ
يا سَما وْتتْلج أَشْعار وْسَلامْ.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
هَلّلويَه
كلمات جوزيف حرب
لحن فرنسيّ من إعداد الأخوين رحباني
هَلّلو هَلّلويَه نجْمة زْغيرة عَ باب مْغارة
هَلّلو هَلّلويَه وجْراسْ وتَلْج ورعْيان
راعي ينْدَه راعي الغيمْ ينْده غَيم وْنجمة تْنادي
نجمة وْبَيت يْقلّو البيتْ خلق الليلة ملك المَجْد
ربّ السَّما والشّتي والبَحْر يندَه غيم وْنجمة تْنادي
تحْني جْبينا لاسمو الشَّمْس وبْتركعْلوا مْلوك الأَرْض
يا طفل النّايم عالقَش بمْغارة راعي مَهْجورَة
وصْلوا رَكعوا مَجوس الشَّرق قدّامَك روسن مَحنيّة.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
بَدّي خَبّركن
كلمات وألحان الأخوين رحباني
بَدّي خَبّركن قصّة زْغيرة زْغيرة القصّة وأنتو زْغارْ
مْنحْكي وْبتصير الليلة قَصيرة وْبوكرا إنشالله تْصيروا كْبارْ
لَيلة عيدْ فَرَح جْديدْ والأَطفال انْوَعَدوا بالطّفل السَّعيدْ
غنّيـّات لعب وْزيناتْ وْتتزيّن السَّجرة للميلاد السَّعيدْ
وْكانْ في وْلادْ نسيتْ الأَعيادْ نسيتْ تْزورنْ بليلة الميلادْ
بيتنْ بْعيدْ والقرشْ بْعيدْ وْما عندنْ تَيزَينوا سَّجْرة الميلادْ
صاروا يصلّوا يركَعوا يصلّوا وْيمكنْ صَلاتنْ بكّت الدّني
وْكان في بَرّا عنْدنْ شَجْرَة شَجْرَة عمْرا شي ميتْ سني
وْفي رفّ عْصافيرْ مْلوَّن حلو كتيرْ وبدّوا يبيتْ وْما بَقى بكّيرْ
غطّ بهالشَّجْرَة صارتْ صَفْرا وْحَمْرا وْطلّوا الولادْ وتْزيّنتْ الشَّجْرة
وفرحوا كْتير بالزّينة الْ بتْطير وصاروا يغنّوا ويغنّوا العَصافير
ونزلْ العيدْ عَيّد مَعن العيدْ وْمِن عَ بوكْرا سلّموا وْطاروا العصافير
خَبّرناكنْ قصّة زْغيرة زْغيرة القصّة وْأنتو زْغارْ
حْكينا وْصارت الليلة قَصيرة وْبوكْرا إنشالله تْصيروا كْبارْ.
.
حمّل الترتيلة:
.
.
.
أتمنّى للجميع ميلاداً سعيداً وعاماً جديداً مباركاً.
سيمون

الخميس، ديسمبر 11، 2008

حِكايةُ الحمارِ الصّغيرِ جِيو وصلاةُ الحمير!

في قديمِ الزّمان وسالف العصر والأوان عاشَ حمارٌ صغير طيّبُ القلبِ كالخبزِ، قويٌّ كالبغلِ، ذكيٌّ كالثّعلب. كانَ يُدعى جيو أي "أرض". وكانَ جيو ينحدرُ من عائلةِ حميرٍ فلاحين يعملون في حراثةِ الأرضِ، وكانَ محبوباً من الجميع.
.
في أحد الأيّام قرّر جيو أن يتركَ العمل الجماعيّ ويكرّسَ نفسَه من أجلِ خدمة الجميع دون أيّ مقابل، وقال في نفسِه: لن يهملني الإله الصّالح وسيعينني على أن أجدَ قليلاً من التّبنِ والماءِ حيثما ذهبتُ.
.
وهكذا حيّا الحميرَ والأبقارَ والدّجاجَ ومضى مشغولَ البال لكن واثقاً بنفسِه، فأخذَ طريقَ الحقلِ ورحل. في الطّريقِ أوقفهُ كلبٌ وقال: عَو، عَو... أينَ تذهب يا جيو؟! "أذهبُ حيثُ يقودني الرّوحُ" نهقَ جيو مجيباً. لكنَّ الكلبَ هزَّ رأسَه وظنَّ أنَّ جيو قد تعرّض لضربةِ شمس.
.
بعدَ ثلاثة أيّامٍ من مسيرةٍ طويلة بلغَ جيو إحدى الغابات، ومن بعيدٍ رآه حمارُ الوحشِ وقال: هذا هنا منّا، سيكون عضواً مناسباً في فريقي. وأخيراً وصلَ جيو وقدّمَ نفسَه: أنا هنا، المعذرة، لا أريدُ أن أزعجَ أحداً. في المزرعة لم أكن مقتنعاً بما أقومُ به، أودُّ أن أفيد الآخرين أيضاً، لا يُمكنني أن أحيا من أجلِ ذاتي فقط! أُعجبَ الجميعُ بحديثِه واستقبلوه بحفاوةٍ بالغة، بأناشيدِ الطّيورِ من كلّ صنفٍ وبرقص الغزلان. "عزيزي جيو، أنتَ واحدٌ منّا"، قالَ أحدُهم بصوتٍ ثخينٍ منخفضٍ، "أهلاً بك!". ورأى جيو أوّلَ مرّةٍ وجه الخنزير موف، وكانَ هذا رئيس الجماعة.
.
ولأنَّ الوقتَ تأخّر واقتربَ الليلُ، استأذنَ جيو في الذّهابِ إلى النّوم، واستلقى تحت سنديانةٍ عملاقة، تثاءبَ بعمق وغطّ في النّوم. حطّت على شجرةٍ قريبة جماعةٌ من الأبوامِ تخرجُ في الليل، وراحت تراقبُ بفضولٍ القادمَ الجديد. تكلّمَ أحدهم وقال: نموذجٌ جديد! يا للعجب، يا لهذه القامة! عشتُ يوماً في إحدى المزارع ولم أرَ مثل هذا قطّ. قال الثّاني: نعم، هذا صحيح، لكن ما يهمّني هو ما يحمله المرءُ في قلبِه. ضحك الثّالث مطلقاً لحيته من بين يديه وقال: له أذنان طويلتان تكفينا نحن الثّلاثة، ها ها ها...
.
وهكذا طلعَ الصّباحُ وامتلأتِ الغابةُ بالأناشيد والألوانِ. يا لهذا الجمال! فعلاً كانَ يستحقُّ مثل هذا العناء، قالَ جيو في نفسِه. إلا أنّ الفرحة لم تكتمل، ففي الغابة كانَت هناك مشكلةٌ: مرضٌ غير معروف، ربّما الجذام، أعاقَ خنّوصَين عن السّير. بعضُ الغزلان التي كانت تذهبُ عندَ المساء لتشربَ من النّهر كانت تتحدّثُ عن مياهٍ عجيبة أو عن طبيبٍ قندسٍ كان يشفي من الأمراض والعلل في تلك الناحية. إلا أنَّ بلوغَ النهر كان يحتّمُ المرورَ بمرجٍ تسكنه جيادٌ غريبة عنيفة... فكيفَ السّبيلُ إلى ذلك؟!
.
جمعَ الخنزيرُ موفَ الجميعَ حتّى جيو واستشارهم في الأمر، وبعد أن طرحَ المشكلة لم يتمكّن أحد من إيجادِ حلّ. عندئذٍ تدخّل جيو وقال: يُمكنني أنا أن أحملهم إلى هناك، أعرفُ الجيادَ جيّداً. وكيفَ ذلك؟ قالَ الكبيرُ موف بنظرةٍ برّاقة مملوءة بالرّجاء. دع الأمرَ لي... أعدّوا سَرْجاً خاصّاً بخَرْجَين، أجابَ جيو. عندئذٍ طلبَ موف من التّمساح أن ينشرَ قليلاً من اللـيّانة من تحت الماء، ومن السّناجب أن تصنعَ سلّتين كبيرتين لوضعهما فوق ظهر جيو. إضافةً إلى ذلك طلبَ منهم جيو أن يصنعوا قطعاً من حلوى العسلِ، فدعا موفُ القاقُمَ الذي قامَ بإعداد الحلوى بمساعدة النّحلات.
.
في اليوم التّالي كان كلُّ شيءٌ معداً فانطلقَ جيو حاملاً الخنّوصين وكيسَ الحلوى باتّجاه النّهر. كان الخنّوصان حزينَين وفوق الخدود الحمر تساقطت بضع دمعات من الألم. وعلى حينِ غرّة لاحَ عجاجٌ من بعيد: خيولٌ تعدو باتّجاه جيو الذي وقفَ بالقربِ من صخرةٍ ضخمة تشبه بيتاً يرتديَ طحالبَ وأدغالاً خضراء. كانت الخيولُ تقتربُ أكثرَ فأكثر، وفي اللحظةِ الأخيرة وثبَ جيو بعيداً فارتطمتْ رؤوس الخيل بالصّخرة وتسمّرتْ في مكانِها مصعوقة.
.
أكملَ جيو طريقَه وبلغ النّهرَ. كانَ القندسُ هناك قد أضرمَ ناراً وراحَ يشوي فوقها قليلاً من السّمك. "طابَ يومُك" قالَ جيو بأفضل نهيقٍ ممكن. "طابَ يومُك" غمغمَ القندسُ بفمٍ مليءٍ بالطّعام. مكثَ الحمارُ الصّبورُ بانتظارِه. وكانَ الطبيبُ يجرعُ مع كلّ سمكةٍ يزدردها قليلاً من عصير التّوت. وأخيراً مسّدَ كرشَه، وتجشّأَ، ثمَّ مسحَ شاربيه بالعشبِ وصاح: ماذا تريدون؟! في تلك الأثناء كان جيو قد اضطجعَ ليسمحَ للخنّوصين بالخروج من السلّتين. فركَ الطبيبُ عينيه وتطلّع إلى أقدامهم وقال: عندي لكم دواءٌ ناجع. أخذَ قليلاً من الأعشاب وبلّلها ثمَّ دقّها بذنبِه على جذعٍ صغير وأخذَ من دقيقها الأخضر ووضعه فوق أقدامهما ثمَّ لفّها بأوراقِ شجرٍ عريضة. دفعَ جيو لقاءَ هذه الخدمة قطعَ الحلوى المَصنوعة من العسل، وكانَ الطبيبُ القندسُ قد أصبحَ لطيفاً معهم وشكرهم منحنياً وقال: إذا ما احتجتم إلى أيّ شيء، فأنا هنا بانتظارِكم.
.
كانَ الخنّوصان يفكّران في طريق العودة وكيف ستكون! لكنّ جيو كانَ يشعرُ بأنَّ كلّ شيء سيكون على خير ما يُرام. وهكذا عبروا مرجَ الخيول التي احترمتْ مرورهم، وبلغوا الغابةَ وقصَّ جيو على موف كلَّ ما حدث.
.
في غضونِ أيّامٍ قليلة شُفيَ الخنّوصان تماماً. ومنذ ذلك اليوم دُعي جيو "السامريّ" وفهمَ أنَّ حياته الحقّة وسعادته تكمنان في تكريسِ نفسِه لخدمة الصّغار والمرضى.
.
صلاةُ الحمير
عزيزي الربّ... نحنُ الحمير نحملُ ثقلَ كذبةٍ كبيرة أطلقها البشرُ علينا بغير حقّ، نحملها بآذاننا حمايتنا المتينة ورادارنا الحقيقيّ. فأمّا نحن فنشكرك على ما وهبتنا من ذكاءٍ وصبرٍ وروحِ بذلٍ وليونة وبساطة. رائع! أيّ حيوان نال مثل هذه المكانة الكبيرة في حياتك؟! نحن فخورون بتقديمِ المساعدة عندَ ولادتك، بحملك معافىً إلى مصرَ، منتصراً إلى أورشليم، شافياً المُعنَّى على طريقِ أريحا. كم هو حلوٌ العملُ بالمجّانِ يا ربّ، وإتمام الأعمال من أجلِ الحبّ ومع الحبّ، بتواضعٍ وذكاءٍ. كم هو حلوٌ أن نجسّدَ التّضامنَ وأن نبذرَ الرّجاء. اجعل يا ربّ الإنسانَ يفهم الرّسالة التي نحملها في هذا الكون.
.
من الإيطاليّة:
L’albero delle favole, Francesco zambotti, terza edizione, Gribaudi, Milano 2000, PP. 9- 14

الثلاثاء، ديسمبر 09، 2008

خمسة أيّام في العراق تحتَ الحرب (1/2)

من حيّ القادسيّة الثاني توجّهنا إلى أحد أقدم أحياء الموصل "حوش البيعة" حيث تنتشر الكاتدرائيّات في منطقة مرتفعة بأزقّة ضيّقة تشابه الأحياء الدمشقيّة والحلبيّة، وهكذا عبرنا جسرَ نينوى العتيق الذي صنعه الإنجليز في الثلاثينيّات من القرن المنصرم وعنده التقطنا صورتين! توغّلنا في الشّارع المقابل المزدحم حتّى وصلنا ساحية خالية قد تحوّلتْ إلى موقفٍ للسيّارات وفيها وضعنا سيّارتنا مقابل 500 دينار.
.
أكملنا راجلين في تلك الحارات التي لا تسع إلا المشاة صعوداً وأخيراً بلغنا الكاتدرائيّة السريانيّة، وفي هذه الأثناء هتفَ المؤذّن يعلن الصّلاةَ لكلّ راغبٍ في الإله ولكلّ عابدٍ يشتهي العبادة! قرعنا البابَ فخرجَ شابٌّ رحّبَ بنا وأهّل وسألناه أن نسلّمَ على صاحب عرش الكاثدرا فسألنا الانتظار في مكتبه الصّغير، وبعدَ عدّة دقائق نزل أحد الآباء الكهنة وأخبرنا أنَّ المطران في الانتظار! جلسنا في حضرة جزيل الاحترام هذا وعرّجنا على كثيرٍ من الأحاديث كانَ أهمّها تلك الكنائس البروتستانتيّة التي أدخلها الجيشُ الأميركيّ معه إلى العراق، وصارتْ معاناة حقيقيّة وتحدّياً أمام الكنائس الشرقيّة القديمة، وخاصّة مع المعونات الماديّة التي قدّمتها فجذبتْ إلى أحضانها الكثيرين، لا بل أعادت العماذَ ضاربةً بعرض الحائط أحد أركان العقائد المسيحيّة الشرقيّة. وأخبرنا أنَّ عدد تلك الكنائس في هذه الأيّام بلغ حوالي 13 كنيسةً متجدّدة، واشتهرتْ إحداها باسم "اللاطائفيّة"! من مكتبِه عرّجنا قبلَ الرّحيل على مدافن الكهنة، وهناك شاهدتُ أسماءً خدمتْ في منطقة الجزيرة السوريّة في النّصف الأوّل من القرنِ الماضي.
.
ومن حوش البيعة أخذنا السيّارة متّجهين إلى الكاتدرائيّة الكلدانيّة "الطاهرة" (بعدَ حوالي ستّة أشهر، وبالضّبط في يوم الثّلاثاء الواقع في السّابع من شهر كانون الأوّل في هذا العام، قامَ أكثر من عشرة مسلّحين بإخلائها ثمَّ تفجيرها وإحالتها إلى ركام). بعدَ أن تركناها بشموخِها المنهار قريباً، عبرنا الجسرَ الحديث الكبير فبدتْ قلعة "باشطابيا" ونهر دجلة يمرُّ رافعاً أنفَه بزهوّ الآشوريّين وأبناء آثور فيضحي مشهدُ الطّبيعة والبناء قطعةً من فنٍّ إلهيٍّ قديم!
.
أكملنا مسيرنا واجتزنا جامعاً يُعدُّ من أضخم جوامع الموصل حتّى وصلنا قصرَ الموصل الخاصّ بالرّئيس التكريتيّ السّابق غفرَ اللهُ له سيّئاته وأجزاه خيراً بدل الحسنات إن وُجِدَتْ. أوقفَ أبو بشّار عربتنا في "البنزيخانة" وهي لفظة عراقيّة تحلّ محلّ محطّة الوقود، وبعد أن تناولت السيّارة وجبةً سريعة، انطلقتْ خارجةً من الحدباء مودّعةً البناءَ متّجهةً نحو مثوى الشّهيد بهنام في مقامه المشهور. كانت الشّمسُ في هذه الأثناء تحتضرُ في مغربِها، وإليها تحنُّ قببُ الكنائس بصلبانها ومآذن المساجدِ بأهلّتها مُحمرّةً بنزاع الموت المتواتر في كلّ يوم، وقبلَ انتهاء السّاعة الأخيرة، لوّحتني وأسبغتْ عليَّ قبساً من سحرِها مكفّنةً سحنتي بسمرة الموصل العراقيّة.
.
وصلنا ديرَ الشّهيد وقد أنهى النّورُ العظيمُ احتضارَه وماتَ بعيداً عن العيون، لكنّ الأفقَ ما زالَ مضاءً غيرَ مُصدّقٍ هذا الرّحيل! وبمرافقة بقايا أشلاء النّور زرتُ الضّريحَ وحيداً ووقفتُ فوقَ سطحه أنظرُ إلى بيادر القمحِ المصفرّة تنتظرُ الحصاد! نزلتُ إلى المكتبةِ وأفرغتُ فيها شرهي الأبديّ إلى شراءِ الكلمة، وعندَ ذلك وصلَ رئيسُ المقام مرحّباً مؤهلاً بنا. وأعادَ عليَّ زيارة الضّريح مع شرحٍ تاريخيٍّ مُسهَب وأخبرني أنّه يُعدُّ كتاباً جديداً عنهُ يشرحُ فيه كلَّ كتابةٍ موجودة على الجدران والأبواب والمدافن الأثريّة.
.
أعادني وصفُه وشروحاته الدّقيقة إلى قرون المسيحيّة الأولى، فامتطيتُ الفرسَ مع مار بهنام وأخته سارة هارباً من وجه أبيه الوثنيّ، ووضعتُ أخيراً عنقيَ معه تحت سيف الاستبداد، واستمعتُ قبلَ استشهادي إلى آلاف من الشهادات قُدّمتْ ثمناً للإيمانِ بالمسيح.
.
وفي التّاسعة من مساء هذا اليوم ولجتُ تحت أستار الليلِ مقترباً بخفرٍ وحياء من ضريحي بهنام وسارة وهناك صلّيتُ راكعاً ودعيتُ إله الأزل والأبد وربّ الأكوان من أجلِ صديقٍ وصديقة يحملان اسمَي الشّهيدَين. وبعدَ ذلكَ اجتمعنا حولَ طاولةٍ صُفّت عليها ضروب الطّعام الشرقيّ، وكانتْ شهيّةً بما فيه الكفاية لأنزعَ حزامي وأفكّ عروة البنطال وأكتسح بجوعي الأطباقَ والأقداح! أنهينا واجبَ الحاجة والغريزة وقمنا جميعاً لنطّلعَ على أرشيفٍ ضخمٍ منوّع يعدّه ويحفظه الرّئيس ويثبت فيه كلَّ ما ذكرَ عن شهيدنا ومقامه في الإعلام المرئيّ والمسموع.
.
كنتُ قد أنهيتُ ما اختزنتُ فيَّ من طاقاتٍ، فهجعتُ إلى غرفتي واستلقيتُ على السّرير ونمتُ من فرط التّعبِ، وهكذا كانت ليلتي الأولى في أرضِ الحضارة الماضية بين جدرانٍ تُحدّث بكلِّ قديمٍ وبالقرب من شهداء القرن الرّابع.

الاثنين، ديسمبر 08، 2008

بين الحكومة العراقيّة والدّكتورة حَسْنَة مَلص!

الشّاعر رحيم المالكي شاعرٌ عراقيّ شيعيّ، اشتهر بتقديمه برنامجي "هواجس" و"مضايف عراقيّة" على قناة "الفضائيّة العراقيّة، كما اشتهر بشعره الشعبيّ، قُتل في حادثة تفجير فندق المنصور.
.
أنقلُ في هذه الصّفحة إحدى قصائده في ذمّ الحكومة العراقيّة، وهي معنونة بـ"رسالة إلى الدكتورة حَسْنة مَلص".
.
- حَسْنة مَلص هي أشهر عاهرة في الموصل.
- حرف القاف يُلفظ على طريقة الأعراب البدو أي G
.
النصّ:
بعدَ أن عجزنا عن مخاطبة الشرفاء لحلّ ما يدور في العراق، اُضطررنا أن نخاطبَ غير الشّرفاء.
رسالة إلى الدكتورة حسنة ملص:
.
ياهو المنّجْ أَشْرَف خاطرْ أشكيلَه
دلّيني حَسْنَة وباجر أمشيلَه
أمشيلَه وأسولف كلْ حَجي المَضْموم
قَبل حفّاي قالوا هَسّا ماكو هدوم
بيت من القنابل والقصف مهدوم
وحكومة وبْلا حكومة بغير تشكيله
.
تنازُع عالكراسي والشّعب حفّاي
وأبشرج لا غذا لا كهربا لا ماي
أحنا أهل النفط والكاك عزّ الماي
يا حسنة الحكومة تقدر تشيلا؟
.
حكومتنا الرّشيدة ليش هالتأجيل
إي مو مطرت علينا منـ السَّما سجّيل
بلوى أحنا ابتلينا قابل أهل الفيل
إي مو هاد أبرهة خلّوه يرد فيله
.
جَوّعنا أبرهة والجوع أبو الكفّار
ثلث سنين أسمع ما أشوف عمار
بس بعض الحكومة أصبحت تجّار
بهاي أشهد يا حسنة بيوم وبليله
.
تجّار الحكومة والشّعب حمّال
وياه لييجي باجر نغيّر الحال
من هاي السّوالف حمّلينا جمال
إذا ينعدل الوضع ينعدل ذيله
.
حكومتنا الرّشيدة ليش هاذ البوق
ترى لهاذ الشّعب قط ما تضيع حقوق
باجر بانتفاضة نشق كتير حلوق
عرفنا... ونعرف اليوم الـ إيله.
.
استمعوا وشاهدوا:

الأحد، ديسمبر 07، 2008

كآبةٌ رومانيّة!

الثلاثاء 11 كانون الثّاني 2005
.
هذا هو يومُ المخاضِ والولادة... لا أعلمُ إن كنتُ سأنجبُ قرداً أم خنزيراً أم غزالا!!!
.
جلستُ إلى طاولتي وحملتُ يدي بحملِها، أسايرُ نفسيَ وجسدي بما تبقّى لهما من ميلٍ إلى الجلوسِ والكتابة، إلى المطالعة والغرف بملعقة العقل وما يعلقُ بها من شجونِ الكتبِ والأوراق! لا أعلمُ في الحقيقة ما الذي جمعَ طاولتي والنّافذة اليتيمة في غرفتي الصّغيرة، لأطلّ منها كلّ ما عنَّ لي ذلك، فأجد أشجاراً خريفيّة تخلعُ عنها أرديتها، تحيطُ بي وبغرفتي اللعينة بكآبتها وحزنها، دون ثمرٍ أو ورقٍ، لتحيلَ عالمي إلى خريف من الكآبة لا ينتهي.
.
يُسائلني الأصدقاءُ: وأينَ الرّوح منك؟ أجيبهم وفي صوتي غصّة من جواب: لم يتبقَّ لي منها شيءٌ! يقولون: وأينَ إيمانُك؟ وعلامَ إذاً وجودك في مثل هذا الوجود؟ أجيبُ: ليست الكآبةُ والآلام سوى ركنين من أركان مركبي طافَ بهما إيماني ولم يعدْ. فأمّا الوجودُ فهو ثيابُ الملك التي ألبسنيها الربُّ الإله، وهل من المعقولِ أن يرفضَ شقيٌّ مثلي تقدمةَ الملوك؟! ولو فعلتُ لكنتُ جاحداً فوقَ جحودي الأليم.
.
لا تسألوني أيّها الرّفاق فما عندي صوتٌ يجيب ولا حيلٌ يردُّ على الأقوال... وإن زدتُ في الكلام حسبتُ نفسي فريسيّاً مراءٍ لا يفقه إلا في أقوالِ الكتبة، ولا يتبعُ من الخطى إلا آثارَ الصدّوقيّين، قريباً من تثعلبِ هيرودسَ، بعيداً عن الزّانية ولصّ اليمين!

الخميس، ديسمبر 04، 2008

خمسة أيّام في العراق تحت الحرب (1/1)

كانت البداية عندما كنّا مدعوّين إلى العشاءِ في منزلِ أختي مع قريبٍ لنا من العراق يُدعى أبا بشّار. بعدَ الطّعام وفي جلسةٍ حول القهوة التركيّة حدّثنا أبو بشّار وقال إنَّ عليه العودة يومَ السّبتِ القادم إلى العراق لأشغالٍ مستعجلة، ولن يمكثَ هناك طويلاً بل سيعود إلى عائلته التي اكترتْ منزلاً في بلدتنا، وأكملَ مازحاً يسأل: من يودّ مرافقتي؟! كسرتُ الصّمتَ الذي سادَ لثوانٍ وقلتُ: ها أنذا! سآتي معكَ فمنذ زمنٍ بعيد وأنا أشتهيَ رؤيةَ العراق أرض الحضارة البائدة. علتِ الأصواتُ تندّد بي وبهذا القرار، وغضبَ والداي ونعتني الجميعُ بالجنون، ووقفتْ أختي التي تصغرني بعام في وسط الصّالة بذهول وخوفٍ وقالت: ماما لا تتركيه يذهب! وفي ذلك الضوضاء الذي استمرَّ يحيط بي من كلِّ جانب جلسَ أبو بشّار صامتاً شاعراً بالنّدم على مثل هذه الدّعوة إلى بلدٍ سقطتْ عاصمته قبل مدّةٍ يسيرة والحربُ تعملُ فيه على قدمٍ وساق! بينما رحتُ أنا أبتسمُ هازئاً بالمخاوفِ مترقّباً مغامرةً من نوعٍ فريد لا تصحّ لكلِّ راغبٍ أو مريد. كانت والدتي أكثرَ الذين أعادوا على مسمعي النهيَ، وحاولتْ مراراً وتكراراً طوالَ الأيّام التي تلتْ ذاكَ المساء أن تثنيَني عن عزمي دون فائدةٍ تذكر، فقد منحني اللهُ رأساً عنيداً عنادَ البغلِ وقلباً شجاعاً كالأسدِ حرماني العودة عن أيّ قرار!
.
السّبت 12 حزيران 2004 (اليومُ الأوّل)
وفي هذا اليوم أفقتُ مبكّراً مع ديوك الفجرِ مفعماً بالحماسةِ والترقّب لرحلةٍ جديدة أقضيها في بلدٍ وعالمٍ جديد تحت وقع حربٍ لا تعرفُ الرحمةَ والرأفة بل الموت الذي نشرته في كلِّ مكان. وصلَ أبو بشّار بسيّارة ألمانيّة الصّنع من نوع الأوبل لعام 2000. كانت السيّارة صغيرة إلا أنّها كانت متينةً بما فيه الكفاية للقيامِ بمثل هذه الرّحلة الطويلة. كنتُ مستعداً فانطلقنا مباشرةً دون تأخير ومررنا في طريقِنا داخل البلدة بإحدى العائلات العراقيّة المهاجرة التي سألته منذ أيّام أن يقلّهم معه إلى الموصل. عندَ الباب وقفتْ امرأةٌ في الخمسينات من العمرِ بثيابِ النّوم، ودارَ بينها وبين أبي بشّار حديثٌ انتهى بمغادرتنا دون اصطحابهم لكثرة حاجاتهم وضيق المكان.
.
في حوالي الثّامنة أخذنا الأوتوستراد نحوَ مدينة القامشلي وقبلَ بلوغِها انعطفنا إلى الشّرق باتّجاه اليعربيّة وهو الاسم العربيّ الذي أطلقتُه دولةُ البعث على "تل كوجك" حيث يقعُ المركز الحدوديّ الفاصل بين سورية والعراق. في التاسعة والنّصف نزلنا من السيّارة وراحَ كلٌّ منا لينهي معاملات العبور. عندَ رؤية جواز سفري السوريّ أرسلني ضابطُ الأختام إلى معاونِ رئيس المركز وهو من رتبة ملازم ويُدعى سِراج عبد الله، وهذا استقبلني بلطفٍ وطلبَ كأساً من الشّاي لأجلي، وأخبرني أنَّ التعليمات الصّادرة عن إدارة الهجرة والجوازات في دمشق تقتضي بعبورِ من هم فوق الأربعين سناً فقط لدواعٍ أمنيّة! سألتُه إن كانَ ثمّةَ من يستطيع مساعدتي فأرسلني مباشرةً إلى رئيس المركز وهو برتبة نقيب ويُدعى زكريّا. كانَ حاداً وفظاً ولم يقبل حتى الكلامَ في الأمرِ فخرجتُ غاضباً وهاتفتُ صديقاً لي أفاقَ من نومِه على صوتِ صراخي وهرع إلى فرع إدارة الهجرة وطلبَ من العميد مساعدتي وهذا اتّصلَ بدورِه بالنقيبِ زكريّا وبعدَ أن علّمه درساً في أصولِ الأدبِ والاحترام أوعزَ إليه أن يسيّرَ معاملتي. بعدَ قليلٍ خرجَ عنصرٌ برتبة مساعد يبحثُ عني وقامَ بيده بكلِّ شيء بناءً على أوامرِ النقيب مباشرةً. وهناك دفعتُ ستّمئة ليرة سورية ثمناً لخروجي من وطني!
.
على الحدودِ العراقيّة المدعوّة "ربيعة" أنهينا المعاملة سريعاً، ومنها عبرنا إلى أرضِ النّهرين التي ما زالَ عبقُ الآراميّة يتردّد في أجزائها، وما زالت صروح النينويين تحدّثُ بأمجادٍ غيّبتها الحروب والنزعات الجشعة! بعدَ اجتيازِ الحدودِ وقفنا لملء السيّارةِ بالوقود، وكانَ ثمنُ التنكة الواحدة، أي عشرين ليتراً، ألفَ دينارٍ ما يُعادلُ ثلثي الدولار الأميركيّ، وكانَ البائعُ طفلاً لا يتجاوز العاشرة من العمر.
كانت المنطقة التي اجتزناها تخضعُ لعشائر الشمّر العربيّة وهي ممتلئة بقطّاع الطّرق وعصابات النهب والسرقة والقتل. إلا أنَّ رئيسَ العراق المُقبل على استلامِ الحُكم وهو من عائلة الياور ينتمي إلى أحد الأفخاذ الشمريّة، ولهذا فرضَ على بني قومِه حماية المنطقة إكراماً لانتماء رئيس العراق الجديد!
.
عندَ اقترابِنا من السكّة الحديديّة كنتُ وأبو بشّار في حديث شائق حول العراق ولم ينتبه إلى مفرقٍ بزاويةٍ حادّة، فلم يتمكّن من الانعطاف برغم محاولته عبثاً، فداسَ على الفرامل واستمرّت السيّارةُ في تقدّمها حتى خرجنا عن الطريق وطرنا وسقطنا من ارتفاعٍ يتجاوز المتر. الحماية الحديديّة في أسفل السيّارة درأت عنها شدّة الاصطدام وحمتنا من أيّ ضرر، فشكرنا الله المنّان على هذه النعمة. اقتربَ البعضُ يسألُ عن سلامتنا إلا أنَّ أبا بشّار أدارَ المحرّكَ وعادَ من جديد يأكل الطّريق الصّحراويّ قاصداً الموصل الحدباء.
على اليمين انتشرتْ معاملُ الإسمنتِ في منطقةٍ سهلة تبشّر باقترابِ الوصول، وعلى بعد عشرات الكيلومترات ارتفعت الجبالُ ساحقةً بأنفتها تواضعَ السّهول.
.
بلغَ النهارُ منتصفه وبلغنا نحنُ بوّابةَ الموصل أمّ الربيعَين كما سمّاها العربُ، ونواردشير أي المدينة الجديدة كما سمّاها الفرس. وأول شيءٍ استرعى انتباهي كانَ الجامعُ الموصلّي بمئذنته القصيرة وقبّته العريضة المتميّزة. ثمَّ أشارَ أبو بشّار إلى فندق الموصل الشّامخ البادي بوضوحٍ عندَ مدخلها. كنتُ أمتّعُ ناظريَّ بأرضٍ جديدةٍ وطرازٍ من العمارة جديد يتميّز بنكهةٍ خاصّة تختلفُ عن الفنّ السوريّ بجمالِ الواحةِ في قلبِ الصّحراء. أكملنا الطّريقَ وارتقينا الجسرَ فأصبحَ فندق الموصل أمامنا مباشرةً بالإضافة إلى جامعٍ بقبّة صفراء بلون الصحراء، وعلى الجانب الأيمن اضطجعَ مشفى سينا التعليميّ. وبعدَ أن عبرنا جسرَ الشّهداء النائمِ فوقَ نهر الدجلة الذي تزيّنه الجزرُ الملأى بالأشجار، وتملأُ سماءَه مروحيّات الدوريّات العسكريّة الأميركيّة، دخلنا في دغلٍ كثيفٍ يُدعى "غابات الموصل" تكثرُ فيه أشجارُ الكينا التي تبعثُ من أوراقها أريجاً خاصّاً يطهّرُ الهواءَ من كلِّ شيءٍ ما خلا الغبار الذي لا بُدَّ منه لاكتمال المشهد الصحراويّ.
.
في أثناءِ توجّهنا إلى مركزِ المدينة مررنا بجامعِ طالب العثمان، وهو مبنيٌّ بحسب النمط السّائد الذي وصفتُه قبلَ قليل: قبّة ضخمة عريضة صفراء ومئذنة قصيرة يتوّجها هلالٌ صغير. إلى يسارِنا برزتْ جامعةُ الموصل فأمّا إلى اليمين فالأسوار الأثريّة أعادتني إلى زمن الامبراطوريّة الآشوريّة وسمعتُ صوتَ جبابرة آشور يقولون لي بالآراميّة: ܒܫܝܢܐ ܘܒܫܠܡܐ ܒܐܬܪܐ ܕܐܬܘܪ أهلاً وسهلاً في أرضِ آثورَ. وفي مقابل الأسوار الأثريّة ارتفعَ سياجٌ يُحيطُ بقصرِ الرئيس السابق صدّام حسين أخفاهُ الأميركيّونَ خلفَ ترسانات إسمنتيّة مدعّمة وأسوارٍ حديديّة شائكة تتشكّل من شرائط دائريّة الشّكل. وبعدَ قليلٍ شاهدتُ مدرَّجاً قال لي عنه أبو بشّار "هنا كانَ يخطبُ عزّة إبراهيم الدوري" وهذا أصله من الموصل كان رئيساً للوزراء على عهد النظام السّابق وهو من لائحة المطلوبين الذين ما زال يبحثُ عنهم الجيش الأميركيّ. أنهينا أوصافنا ومشاهداتنا تحت صراخ معدة كلّ منا فحثثنا السّير إلى مكانٍ نسدُّ فيه ثغرات جوعنا وتعبنا.
.
في حيِّ الزّهور جلسنا في مطعم "القبطان" وطلبنا "لحم بعجين" على الطريقة الموصليّة، طلبنا ثلاثاً إحداها "بالبيض نصف استواء" أي رغيفاً من اللحم يفترشُ الطبّاخُ فوقَه بيضةً نصف مقليّة. ذهبَ أبو بشّار خلال إعداد الطعام واغتسلَ من غبارِ وتعبِ الطريقِ، بينما رحتُ أنا جالساً أغسلُ عينيَّ بمشاهدة الجوار وأتلذّذ بالمرّة الأولى التي أزورُ فيها أرضاً تنتهكها الحربُ انتهاكاً صارخاً! على لافتة المطعم كُتبت كلمتان "كاهي بورك" سألتُ أبا بشّار عنهما فأجابني "هذيك" رافعاً إصبعه مُشيراً إلى نوعٍ من المعجّنات المحلّى. كانَ الذبابُ قطعاناً يتكاثرُ علينا كأنّنا قطعةٌ من الحلوى يريدُ التهامها بأدرانه وسنانه ذكّرني بذاك القاضي العراقيّ الذي كسرَ وقارَه وهدوءَه بسبب ذبابة. كانَ الطّعامُ شهيّاً جداً مُعداً على الصّاج لم يأخذ معنا وقتاً طويلاً، وبعدَ معركةٍ قصيرة معه، ملأ رفيقُ دربي رأسَه بسيجارةٍ ثمَّ قامَ ودفعَ الحسابَ وأشارِ لي إلى السيّارة وفيها أعلمني أنّنا سنزور خالته السوريّة في حيّ القادسيّة الثاني.
.
كانت الأزقّة في هذا الحيّ مملوءة بالنفايات والمياه العطنة تنسابُ في وسطها وأسلاك الكهرباء تملأ سماءَها كشبكة عنكبوت تنتظر الفريسة! دخلنا البيت وشاهد أبو بشّار أخته التي تسكن في بغداد وفرحَ جداً بها وتبادل معها الأحاديث وسألها عن زوجِها فأخبرته أنّه في الموصل وهو قادم بعد قليل. استرحنا قليلاً وشربنا الماءَ واللبنَ والشّاي، ثمَّ وضعت خالته الدولما (المحشيّ)، ودعونا إلى مشاركتهما إلا أنّنا اعتذرنا فقد سبقَ السّيفُ العَذَل في مطعم القبطان. وصل صهرُه وأكملنا تعارفنا، وعلمنا منه أنّهما، أي أخته وزوجها، مزمعان على الذهاب إلى شقلاوة بعد المرور بدهوك.