السبت، مايو 29، 2010

موقع "صفحات سوريـّة"، شكرًا

www.alsafahat.net/blog

.

صفحات تعنى بالهمِّ السياسيِّ والثّقافيِّ السوريّ، تصدرُ كلَّ اثنين. بهذه الكلمات تعرّفُ هذه الصّفحات السوريّة عن نفسِها، دالّةً إلى همٍّ يتوارثُه السوريّون، همٍّ تختلفُ أشكالُه باختلافِ ضحاياه! ولأنّنا نحبُّ سورية، سورية الوطن بكلّ ما فيه، لن نيأسَ أمام كثرة الهموم، ولن نسكتَ عن اغتصابِ الحقِّ، ولن نتوقّف ولو بنوا في وجهنا ألف جدار.

.

قبلَ أيّامٍ مضت، كتبَ رئيسُ تحرير "صفحات سوريّة"، السيّد حسين الشّيخ، تعليقًا قصيرًا على إحدى التدوينات التي صففتُها على رفٍّ من رفوف مكتبتي، يقول: "تبدو هذه المدونةُ في عزلتِها كمثلِ الجُمل التي يكتبُها صاحبُها مقتصدةً متعبةً، فيها الكثيرُ من التأمّلِ، توقّفتْ هذه المدونةُ لزمنٍ طويلٍ، كنّا نعتقدُ بأنَّ صاحبَها هجرَها، فالمدوّناتُ أيضًا عرضةٌ للهَجْرِ والنسيان، لكنّنا عثرْنا فيها على مقالاتٍ جديدةٍ، لقد نفضَ صاحبُها عن سطورِها الكسلَ، وبدت ينابيعُ الصَّمتِ مترعةً بالكلام. لذلكَ اختارَها موقعُ "صفحات سورية" موقعَ الأسبوعِ المميّز.

نتمنّى لكم المزيدَ من التقدّمِ والنّجاح.

عن موقع "صفحات سورية"

حسين الشيخ

.

وإنّي إذ أشكرُ صديقَنا الشّيخ على التفاتتِه اللطيفة، لا يسعني إلا أن أشدَّ على يديه مصافحًا ومشجّعًا، أملاً في أن يضيفَ هو وصحبُه من المثقّفين الواعين لبنةً جديدةً في صرحِ سورية الحرّة المجيدة.

الجمعة، مايو 28، 2010

سجنُ الحياة... !!

أسبوعان ويلفظُ هذا العام أنفاسَه الأخيرة! تتلوه شهقةُ عامٍ جديدٍ يُدركُ الحياةَ ويرى النّورَ في قلبِ الشّتاء... في قاعةِ الانتظار، بين المسافرين جلستُ أترقّبُ ساعةَ السّفرِ. جدرانُ القاعةِ الخشبيّة، ومقاعدها المصطفّة الفارغة والمشغولة، ولوحة قلعة الحمدانيّين؛ جميعُها تنتظرُ معي، وأنا بينها لا أملُّ من الانتظارِ أو الترقّب! اللغةُ التركيّةُ تملأ الأجواءَ، وأشكالٌ وأجناسٌ من البشرِ مختلفةٌ تُعدّ العدّة نحوَ اسطنبول عاصمة أطلال بيزنطية وبقايا العثمانيّين.

إن بقيتُ العمرَ كلَّه منتظرًا فلن أتململَ، مثلَ سجينٍ قابعٍ في عتماتِ سجنِه البارد الرّطبِ المليءِ برائحة الموت! ما الفرقُ بين حرٍّ طليقٍ ينتظرُ شيئًا ما، وسجينٍ أسيرٍ ينتظرُ الحريّة؟ وإن تساوى هذا بذاك فلا معنى لوجود الأوّل حرًّا ولا معنى على الإطلاق لحريّته الزّائفة! وأنا أشعرُ اليومَ بأنّي سجينٌ أُعدمَ فرحَ البقاء، أحدّقُ بإنسانيَ المحدود في لحظتين: لحظة الولادة بلا اختيارٍ ولحظة الموت بلا اختيارٍ أيضًا... ما معنى إذًا الحديثُ عن حريّة الإنسان وإرادته وفرادته وهو قد أُعدمَ اختيارَ لحظتي وجودِه وعدمِه، لحظتي دخوله بابَ الحياة وخروجه منه؟! أيُّ وجودٍ هو هذا الذي يبأ بقيدٍ وبكاء، وينتهي بهرمٍ وفناء؟!

ما أن يشرع الإنسانُ بالحياة حتّى يروح يترقّبُ ساعةَ الموت، ساعة العدم بلا عودة! ومَن ذا الذي راحَ ثُمَّ عادَ وحدّثنا عن اللاعودة؟ أليسَ هؤلاء الذين شنّفوا آذاننا بالحديث عنها بشرًا لم يذوقوا طعم الفناء بعد؟ فكيفَ لهم أن يصفوا لنا ما لم يروه بأنفسِهم؟! هل يُدرك المؤمنون أنّ الإنسان لا يكون كذلك بعد الموت؟! ألا يروا جسدَه كيف يفنى على مهلٍ تحت التّراب؟! يقولون: هي الرّوح تبقى! وما هي الرّوح وأين هي؟! كيف ألمسها وجسدي ترابيٌّ من التّراب يأتي وإليه يعود؟ هل لمستَ روحك يومًا؟ أم هل اشتممتَ روائحَها؟ قلّي إن كنتَ رأيتَها أو سمعتَها أو تذوّقتَها؟! وإن كانت حواسّك الخمس لا تعرفها فكيفَ لعقلِك أن يتباهى ليلاً نهارًا بالحديث عنها؟ أليسَ العقلُ حواسًّا أم هل هو من شيءٍ آخر؟ ما أصعبَ أن يقودَك عميانٌ وأنتَ أعمى! هذه هي مأساةُ الحياة.

الثلاثاء 15 كانون الأوّل (مطار حلب).

الأحد، مايو 23، 2010

عارُ الكتابة

الأحد 16 أيّار 2010 (لا مكان)

.

أعادني دفتري إلى الحياة من جديد، ولدني ولادة ثانية في عالمِ القلمِ والورق. أمّا دافعي إلى الحياة فكانَ قراءة ثانية في كتاب "يوميّات غجريّ لا يجيد الرّقص". ولربّما اخترتُ أن أقرأه ثانيةً لأنَّ كاتبَه يقصُّ علينا من خبرات الفقر وتجارب القرويّ المعدَم الكثير، ولأنّه عاشَ صراعًا من نوعٍ فريد فطلّقَ رتبتَه الكنسيّة وتزوّج... تعجبني حريّته، وصراحتُه، وصدقُه، تُعجبني شجاعته، وتلك المقولة التي ما برحت تتردّد في ذهني "ما أصعبَ أن تسيرَ طويلاً في طريقٍ لا تؤدّي إلى المدينة"!

.

شدّني هذا الغجريُّ الذي لا يجيدُ الرّقص، لكنّه يجيد أشياءَ أخرى وببراعةٍ تامّة. قد يخلقك اللهُ غجريًّا، لكن ليسَ بالضّرورة أن تجيدَ الرّقصَ منذ الولادة، وإن لم تفعل، ضللتَ الطّريق! ثقافة الكاتب الواسعة ومعرفته الممتدّة كبحرٍ لا أفق له، وأدبه الممتع سردًا ولغةً؛ كلّ هذا جعلني أشعرُ في قرارةِ نفسي بتفاهة تلك السّطور التي دوّنتها، تلك التي سمّيتها "يوميّات"، وهي في الحقيقة لا تستحقُّ أن تُرمى تحت أقدام خنازير في حظيرة مغلقة نتنة. أشعرُ بحاجةٍ إلى حذفِها، بل إلى قتلِها بمديةٍ مغموسةٍ بسمّ الأصائل، حتّى ولو كانت مديةً إلكترونيّة، كما يقتلُ الرّجلُ نفسًا غسلاً لعارِه، غسلاً لشرفٍ تلطّخ بالدّنس والخطيئة. وهذه اليوميّات خطيئة أدبيّة وعارٌ، ومن واجبي كشرقيٍّ ،رأسه محشوّة بأفكارٍ عطنة، أن أقتلَها، أن أطعنَها حتّى الموت، وأن أمسحَ دماءَها المنسكبة على مديتي بلساني متلذّذًا بطعم الجريمة... قبلَ أن أصيرَ مضغةً في أفواه الشّرفاء، وأعني بهؤلاء صيارفة الأدب وصاغة اللغة. ما هو الشّرف في عالم الرّجل؟ وكيفَ يصيرُ فجأةً عارًا والشّرفُ أبعدُ ما يكون عن العار؟ أين الوسيط؟ أهي الخطيئة؟ وما هي الخطيئة؟ ما لا يقبله مجمع التقاليد وحاخامات الأديان ولصوص النّظم والقوانين؟! فبالخطيئة ينقلبُ الشّرفُ عارًا بعدَ أن يتعمّد في مستنقع الأدناس والأرجاس. أين صرتُ؟! وما الذي دفعني لمناقشة قضيّة الشّرف والعار؟! آه... هي تلك اليوميّات التي كتبتُها، وشعرتُ برغبةٍ عارمة في قتلِها، كشعورِ جنديٍّ يدافعُ عن شرفِ وطنِه. عُدنا إلى الشّرف! هل يكونُ الشّرفُ في قضاء الواجب أم في تلك المفاهيم البائسة التي يروّج لها مجتمع الحرام والحلال؟ إذا كان هذا أو ذاك فهو نسبيّ، فلا شرفَ مطلقًا، ولا عارَ مطلقًا... فما هو شرفٌ لديك عارٌ عندي والعكس صحيح. وما كتبتُه قد يكون شرفًا عندَ المتمعرف، أو عارًا عند العارف، لكنّه كُتبَ بأيّة حال... ما علاقة الشّرف والعار بمسألة أدبيّة فكريّة؟! لنسأل أصحابَ القلمِ المفكّرين: هل شعروا بعارِ الكتابةِ أو خزي القلمِ يومًا؟

.

حقولٌ ممتدّةٌ صفراء

تنتظرُ الحصاد!

وسماءٌ زرقاء

لا غيمَ فيها ولا انتظار!

وأعمدةٌ خشبيّة

تغرزُ مداها

في قلبِ الأرضِ بلا رحمة.

حصّاداتٌ تعمل

وحصّادون يعرقون

وهم يلملمون ما تبقّى

من غلالِ صيفٍ أقبل

بيوتٌ طينيّة متناثرة

لا أشجار حولها

وسفوحٌ بعيدة

وحجارة على طول الطّريق

ألوانها الباهتة

تدفعُ القيء في وجوه النّاظرين

أشواكٌ كثيفة متجمّعة

تلامس الأرض

وتحسد السّنابل

أغنامٌ ترعى

وراعٍ يستريح

وكلابٌ مضطجعة

تحت وهج الشّمس

والمدنيّة البعيدة

ترفعُ بأسلاكها الممتدّة

آيات الغلبة

على آلهة الأرض

هذا ما شاهده مسافر

في حافلة على طريق.