الأحد، مايو 23، 2010

عارُ الكتابة

الأحد 16 أيّار 2010 (لا مكان)

.

أعادني دفتري إلى الحياة من جديد، ولدني ولادة ثانية في عالمِ القلمِ والورق. أمّا دافعي إلى الحياة فكانَ قراءة ثانية في كتاب "يوميّات غجريّ لا يجيد الرّقص". ولربّما اخترتُ أن أقرأه ثانيةً لأنَّ كاتبَه يقصُّ علينا من خبرات الفقر وتجارب القرويّ المعدَم الكثير، ولأنّه عاشَ صراعًا من نوعٍ فريد فطلّقَ رتبتَه الكنسيّة وتزوّج... تعجبني حريّته، وصراحتُه، وصدقُه، تُعجبني شجاعته، وتلك المقولة التي ما برحت تتردّد في ذهني "ما أصعبَ أن تسيرَ طويلاً في طريقٍ لا تؤدّي إلى المدينة"!

.

شدّني هذا الغجريُّ الذي لا يجيدُ الرّقص، لكنّه يجيد أشياءَ أخرى وببراعةٍ تامّة. قد يخلقك اللهُ غجريًّا، لكن ليسَ بالضّرورة أن تجيدَ الرّقصَ منذ الولادة، وإن لم تفعل، ضللتَ الطّريق! ثقافة الكاتب الواسعة ومعرفته الممتدّة كبحرٍ لا أفق له، وأدبه الممتع سردًا ولغةً؛ كلّ هذا جعلني أشعرُ في قرارةِ نفسي بتفاهة تلك السّطور التي دوّنتها، تلك التي سمّيتها "يوميّات"، وهي في الحقيقة لا تستحقُّ أن تُرمى تحت أقدام خنازير في حظيرة مغلقة نتنة. أشعرُ بحاجةٍ إلى حذفِها، بل إلى قتلِها بمديةٍ مغموسةٍ بسمّ الأصائل، حتّى ولو كانت مديةً إلكترونيّة، كما يقتلُ الرّجلُ نفسًا غسلاً لعارِه، غسلاً لشرفٍ تلطّخ بالدّنس والخطيئة. وهذه اليوميّات خطيئة أدبيّة وعارٌ، ومن واجبي كشرقيٍّ ،رأسه محشوّة بأفكارٍ عطنة، أن أقتلَها، أن أطعنَها حتّى الموت، وأن أمسحَ دماءَها المنسكبة على مديتي بلساني متلذّذًا بطعم الجريمة... قبلَ أن أصيرَ مضغةً في أفواه الشّرفاء، وأعني بهؤلاء صيارفة الأدب وصاغة اللغة. ما هو الشّرف في عالم الرّجل؟ وكيفَ يصيرُ فجأةً عارًا والشّرفُ أبعدُ ما يكون عن العار؟ أين الوسيط؟ أهي الخطيئة؟ وما هي الخطيئة؟ ما لا يقبله مجمع التقاليد وحاخامات الأديان ولصوص النّظم والقوانين؟! فبالخطيئة ينقلبُ الشّرفُ عارًا بعدَ أن يتعمّد في مستنقع الأدناس والأرجاس. أين صرتُ؟! وما الذي دفعني لمناقشة قضيّة الشّرف والعار؟! آه... هي تلك اليوميّات التي كتبتُها، وشعرتُ برغبةٍ عارمة في قتلِها، كشعورِ جنديٍّ يدافعُ عن شرفِ وطنِه. عُدنا إلى الشّرف! هل يكونُ الشّرفُ في قضاء الواجب أم في تلك المفاهيم البائسة التي يروّج لها مجتمع الحرام والحلال؟ إذا كان هذا أو ذاك فهو نسبيّ، فلا شرفَ مطلقًا، ولا عارَ مطلقًا... فما هو شرفٌ لديك عارٌ عندي والعكس صحيح. وما كتبتُه قد يكون شرفًا عندَ المتمعرف، أو عارًا عند العارف، لكنّه كُتبَ بأيّة حال... ما علاقة الشّرف والعار بمسألة أدبيّة فكريّة؟! لنسأل أصحابَ القلمِ المفكّرين: هل شعروا بعارِ الكتابةِ أو خزي القلمِ يومًا؟

.

حقولٌ ممتدّةٌ صفراء

تنتظرُ الحصاد!

وسماءٌ زرقاء

لا غيمَ فيها ولا انتظار!

وأعمدةٌ خشبيّة

تغرزُ مداها

في قلبِ الأرضِ بلا رحمة.

حصّاداتٌ تعمل

وحصّادون يعرقون

وهم يلملمون ما تبقّى

من غلالِ صيفٍ أقبل

بيوتٌ طينيّة متناثرة

لا أشجار حولها

وسفوحٌ بعيدة

وحجارة على طول الطّريق

ألوانها الباهتة

تدفعُ القيء في وجوه النّاظرين

أشواكٌ كثيفة متجمّعة

تلامس الأرض

وتحسد السّنابل

أغنامٌ ترعى

وراعٍ يستريح

وكلابٌ مضطجعة

تحت وهج الشّمس

والمدنيّة البعيدة

ترفعُ بأسلاكها الممتدّة

آيات الغلبة

على آلهة الأرض

هذا ما شاهده مسافر

في حافلة على طريق.

هناك 4 تعليقات:

جدل يقول...

لم أجدْ لسؤالي الذي يؤرق رأسي جواباً..ربما هناك رغبةٌ داخلية ترغب عن الجواب المريح، هي طبيعة النفس تبحثُ عن الراحة ولا ترغبُ في أن تصل إليها، سأعود إلى سؤالي الآن
هل الكتابة انعكاسٌ لصورتي، وهي بتالي تشبهني في كل مرحلة، وتختلف باختلاف صورتي؟
أنا لا أمزق صوري القديمة عادةً رغم أنها لا تعجبني، ولكنني أقول دائماً هذا أنا
أأمزقُ نصوصي القديمة لأنها لك تعدّ تعجبني الآن؟
لا أملك إجابة ولا أريد أن أملكها

جدل

صفحات سورية يقول...

تبدو هذه المدونة في عزلتها كمثل الجمل التي يكتبها صاحبها مقتصدة متعبة، فيها الكثير من التأمل ، توقفت هذه المدونة لزمن طويل، كنا نعتقد أن صاحبها هجرها، فالمدونات أيضا عرضة للهجر والنسيان، لكننا عثرنا فيه على مقالات جديدة، لقد نفض صاحبها عن سطورها الكسل، وبدت ينابيع الصمت مترعة بالكلام.
لذلك اختارها موقع صفحات سورية موقع الأسبوع المميز
http://www.alsafahat.net/blog/?cat=99

نتمنى لكم المزيد من التقدم والنجاح

عن موقع صفحات سورية
حسين الشيخ

سيمون جرجي يقول...

السيّد حسين الشّيخ

أهلاً بكَ في مدوّنتك، وشكرًا لكَ على انعطافِك النبيل، أجبتُك برسالةٍ قصيرة اقبلها منّي عربونَ شكرٍ وتحيّة، إليك رابطها:

http://tuesillevir.blogspot.com/2010/05/blog-post_29.html

سيمون جرجي يقول...

عزيزتي جدل ذات الجدائل الشعريّة

إنَّ الكتابةَ يا صديقتي الصّدوقة تنبعُ من أعماقِ النّفس، فإن كانت منابعك تلهجُ بالفرحِ لرقصت كلماتُك طربًا، وإن كانت ثائرةً تقذفُ الحممَ كبركان فيزوفيوس لبكت كلماتُك ألمًا وأحرقت الأوراق... وبعد! فكيفَ لا تكون الكلمة صورتَنا؟!

فأمّا عن سؤالِك الأخير فجوابُه معروفٌ متغلغلٌ في التّاريخ والذّاكرة، أنتِ تقولين إنَّ الكتابةَ صورةٌ لنا التقطها الزّمان في إحدى فتراته، فهل يعقل أن تمزّقي صور طفولتك ومراهقتك لأنّك بلغتِ الشّباب؟! لا وألف لا... فإنّ الإنسانَ مثلي ومثلك والآخرين، محصّلة تجمع الكمال والنقصانَ، الفرحَ والحزنَ، فلا تكسري ما مضى لأنّ لوحة حياتك من دونِه تبقى ناقصةً مشوّهة.

وأهلاً بكِ وبصورك أجمعين.