الأحد، أبريل 18، 2010

خدمةُ "إجابات جوجل" العربيّة: حظرٌ دينيٌّ جنسيّ

عرّجتُ، في أثناءِ تصفّحي مواقعَ إلكترونيّة متعدّدة، على مدوَّنةِ صديقٍ لي تُدعى "وطن النّور والظّلمة"، فوجدتُه كتبَ مقالاً جديدًا يُحدّثنا فيه عن الخدمة التي طرحتها شركة "جوجل" الرّائدة، وهي خدمة "إجابات"، دخلت العربيّة أوّلاً بلفظٍ مصريٍّ egabat، ثُمَّ عُدّلتْ لتصبحَ ejabat. وهي خدمة توفّر للروّاد طرحَ الأسئلة والأجوبة التي تراود أفكارهم. وقد وُضعت الخدمةُ على أساس "التنافس" بين الأعضاء الكثر، فبمجرّد أن تدخلَ نظامَ التّسجيل تكسبُ نقاطًا تخوّلك طرحَ الأسئلة التي تريد، وكلّ إجابةٍ تؤتيها تمنحك نقطتَين، وإذا اختيرتْ إجابتك لتكون الفضلى بين الإجابات كسبتَ النّقاط المطروحة ضمن السّؤال وهي تتراوح بين 5 و99 نقطة. ثمّة مصادر أخرى للفوز بتلك النّقاط الثّمينة وهي تقييمك الإجابات، ودخولك اليوميّ إلى الخدمة... إلخ. ولكلّ عضوٍ رصيد آخر يُدعى "السّمعة" يرتفعُ معدّله نقطتين عندَ اختيارِ إجابته بين مجموعة الإجابات. اليومَ يبلغُ رصيدُ نقاط الأوّل 108585 نقطة، ورصيدُ سمعة الأولى 18733 نقطة، وهي أرقام ضخمة تفيد في معرفة عدد السّاعات التي قضاها هذان ضمن هذه الخدمة.

.

ما استوقفني في حقيقة الأمر هو هذا الحظر الدينيّ والجنسيّ على "الأسئلة" المطروحة، وقد دهشتُ كثيرًا حين أدركتُ أنّ شركة أميركيّة عملاقة (ضمن إدارتها العربيّة) تفرضُ نقابًا من نوعٍ جديد يغلّف العقولَ ويمنعهم من التفكيرِ في المسائل الدينيّة الإسلاميّة والقضايا الجنسيّة أو تلك التي تحملُ مفرداتٍ أدبيّة جنسيّة اُستعملت، وما زالت، في الأدبِ العربيِّ وفي شتّى الكتب والمقالات. حدثَ هذا حينَ طرحتُ سؤالاً تجريبيًّا أضعُ فيه "القدرة الإلهيّة" وجهًا لوجه أمام مسألة الشرّ. سألتُ: تصرّحُ المعتقدات الدينيّة بأنَّ اللهَ كليُّ القدرة، فهل يستطيعُ اللهُ أن يصنعَ الشرَّ أو هل يُمكنه أن يكونَ شرّيرًا؟! انهالت عليَّ فورًا إجابات التّكفيرِ والتحريمِ، وبعدَ عدّة ساعات حُذفَ السّؤالُ من أصلِه وأُنقصَ رصيدي عشر نقاط جرّاء هذه المخالفة. وتكرّر الحذفُ فالمخالفة حينَ طرحتُ سؤالاً حول زواج الصّغيرات الذي يبيحه القرآنُ في آيته الرّابعة من سورة الطّلاق، مع العلم أنّ كلَّ ما يتعلّق بالمسيحيّة واليهوديّة من نقدٍ وشتمٍ يبقى أبدًا دون حذفٍ أو تنبيه!

.

قنعتُ رغمًا عن أنفي بما قسمه أصحابُ الأمر، والتفتُّ إلى الأدبِ فاستللتُ من كتابِ "المُستطرف في كلِّ فنٍّ مُستَظرف" لأحمد الأبشيهيّ بيتًا من الشّعرِ طرحتُ أوّلَه في صيغةِ سؤالٍ ثُمَّ دعوتُ القرّاء إلى إكمالِ البيت، وكانت النتيجة حذفًا جديدًا ومخالفة أخرى. مطلعُ البيتِ يقول: "ليتَ شعري هل بَغَتْ عُلَيَّة؟". والموقعُ أبى أن يقرّح عيونَ القرّاء السّليمة بكلمة "بغت"، فيفسد أخلاقهم العربيّة الطّاهرة. ويحضرني السّاعة قولٌ للإمام الحافظِ ابن قتيبة الدّينوريّ في مقدّمة كتاب "عيون الأخبار"، كنتُ ذكرتُه في الماضي في أثناء حوارٍ مع صديقٍ لي حول ذكرِ العورات، جاء فيه: "وإذا مرَّ بكَ حديثٌ فيه إفصاحٌ بذكرِ عورةٍ، أو فرجٍ، أو وصفِ فاحشةٍ؛ فلا يحملنّك الخشوعُ أو التخاشعُ على أن تصعرَ خدَّكَ وتعرض بوجهِك فإنَّ أسماء الأعضاء لا تؤثم وإنّما المأثم في شتمِ الأعراض وقول الزّور والكذب وأكل لحوم النّاس بالغيب". رحمَ اللهُ أيّام الدّينوريّ!

.

ويحملنا هذا الأمر على التفكير في الحالِ التي وصلنا إليها، فكريًّا وثقافيًّا وأدبيًّا، فباتت قواعدُ الرّقابة الدينيّة والجنسيّة تقتصُّ من كلِّ ما يخالفُ مقاييسها الضيّقة، فتقتطع من دواوين كبيرِ الشّعراء "المتنبّي" المنشورة تلك الأبيات التي أتت على ذكرِ عورةٍ وفرجٍ حين هجا "ضبّةَ" في قصيدةٍ تسبّبتْ في قتلِ صاحبِها؛ وتغلق أبوابَ التفكيرِ المشرّعة أمام أيّة مسألةٍ تتعرّضُ للهِ وشرائعِه الجامدة. ألم يصدقْ جبرانُ حينَ قالَ بموت اللهِ في قلوبٍ من مثل قلوبِ هؤلاء؟! ألم يصوّر حال الأمّة العربيّة بقولِه: ويلٌ لأمّةٍ سائسُها ثعلبٌ وفيلسوفُها مشعوذٌ وفنُّها فنُّ الترقيعِ والتّقليد؟!

هناك 5 تعليقات:

Gabriel يقول...

كما قلت لك يا صديقي عند حديثنا عن الخدمة
الأمر لا يتعلق بتوجه الشركة ( الأمريكية الأصل ) بل مع التوجه التفكري للناطقين بالعربية

في البداية لم يكن هناك حواجز وخطوط حمر كثيرة فأصبحت الخدمة مرتعاً للتكفيريين والباحثين عن استعراض عضلاتهم علانيةً .

اليوم أصبحت الخدمة واضحة المعالم بما يتعلق بالجانب الفكري الديني ( والذي يظهر منتشراً انتشار الوباء في الرعيّة ) بتبنيها الطرح العربي عامة لوجهات النظر والقيم أي ما هو مباح فكرياً من نقد وتكفير واهانة سيبقى كذلك ما دام المجتمع العربي المسلم موافقاً عليه وكل ما خالفه فمصيره الحذف والأرشفة .

هامش : عملك طلّة على ايميلك .. ولا اتطنش اللي بعتلك ياه

سيمون جرجي يقول...

أهلاً بالصّديق العزيز والملاك الثائر وليحفظك اللهُ عنصرًا من عناصر الفكر وقلمًا من أقلام الحريّة، أمّا بعد.
عزيزي إنّ جوابَك بعيدٌ عن حقيقة المسألة، ويكفي أن آتي بالصّين مثالاً لأنقضَ هذا التبرير الذي سقته. فمهما بعدت الشركة عن الفروع لا بُدَّ من أن تطّلع على أحوالِ هذه الأخيرة وإلا فما نفع مركزيّة الإدارة ورأسماليّة العصر؟! والشّركة تعرف لكنّها تغضّ الطرفَ عن أصحاب البترول الأغبياء! وتثبّت عقالَهم فوق رؤوسِهم الفارغة لئلا تتفتّح عقولُهم كالبراشوت فتعمل!!!

سأجيبُك على رسالتك اليوم، فانتظرني.

ضياء يقول...

مما اقتنعت به بعد أن حاولت الاشتراك بموقع الإجابات الجوجلية بالجيم الأعجمية، أنه موقع مصراويٌ آخر (وليس مصرياً) من رتبة الويكيبيديا المصرية التي تفرغ العربية من محتواها الأصيل لتملأه خواء وعواء. لاحظت يا سيدي أن السواد الأعظم من المشاركين جاؤوا ليسألوا أو ليجيبوا عن مواضيع من قبيل ما حكم المرأة إن لبست سروالها بالمقلوب؟ أو ما حكم القافز فوق قمباز جارته قبل صلاة الفجر بربع ساعة؟

ولذلك آثرت أن أسوق على الموقع سباباً سرياً وغاضباً آنذاك.

اليوم يبدو أن المحتوى قد تحسن، وقلبت الجيم جيماً حقيقية، إلا أن سياسات القمع الفكري وتقييد الفكر الحر لا تزال تسيطر عليه وعلى رواده، واعتقد أن هذا رقابة ذاتية من الانسان العربي الذي نخرت مخه التعاليم التحريمية في كل زمان ومكان.

سيمون جرجي يقول...

عزيزي ضياء
أهلاً بكَ بعدَ غياب، ولتعذرني محبّتك لتأخّري في الكتابة.
أنتَ يا عزيزي تلامسُ لبَّ المسألة، وهي تدورُ في رأيي حول الكمّ لا الكيف! فمصر بعدد سكّانها الهائل لقادرة على أن تسلبَ دورَ بقيّة البلدان... والعددُ يغلبُ الشّجاعة!!!
وما دمنا في عالمٍ تلعبُ في مؤخّرته الأديانُ وحاخاماتها، فلن نطالَ عنبَ الحضارة وإن قتلنا ألفَ ناطور.
تحيّتي وتقديري لكَ ولقلمِك وفكرِك الرّفيع.

ديانا نعمة يقول...

الويل الويل لأمّة ضاع وتميّع فيها مفهوم الأخلاق، فأصبح ذكر العورة عاراً، وأصبح حظر الكلمة وشلّ الفكر وتقييد العقل درعَ وقاية يحمي الأمّة من العار!