الجمعة، مايو 28، 2010

سجنُ الحياة... !!

أسبوعان ويلفظُ هذا العام أنفاسَه الأخيرة! تتلوه شهقةُ عامٍ جديدٍ يُدركُ الحياةَ ويرى النّورَ في قلبِ الشّتاء... في قاعةِ الانتظار، بين المسافرين جلستُ أترقّبُ ساعةَ السّفرِ. جدرانُ القاعةِ الخشبيّة، ومقاعدها المصطفّة الفارغة والمشغولة، ولوحة قلعة الحمدانيّين؛ جميعُها تنتظرُ معي، وأنا بينها لا أملُّ من الانتظارِ أو الترقّب! اللغةُ التركيّةُ تملأ الأجواءَ، وأشكالٌ وأجناسٌ من البشرِ مختلفةٌ تُعدّ العدّة نحوَ اسطنبول عاصمة أطلال بيزنطية وبقايا العثمانيّين.

إن بقيتُ العمرَ كلَّه منتظرًا فلن أتململَ، مثلَ سجينٍ قابعٍ في عتماتِ سجنِه البارد الرّطبِ المليءِ برائحة الموت! ما الفرقُ بين حرٍّ طليقٍ ينتظرُ شيئًا ما، وسجينٍ أسيرٍ ينتظرُ الحريّة؟ وإن تساوى هذا بذاك فلا معنى لوجود الأوّل حرًّا ولا معنى على الإطلاق لحريّته الزّائفة! وأنا أشعرُ اليومَ بأنّي سجينٌ أُعدمَ فرحَ البقاء، أحدّقُ بإنسانيَ المحدود في لحظتين: لحظة الولادة بلا اختيارٍ ولحظة الموت بلا اختيارٍ أيضًا... ما معنى إذًا الحديثُ عن حريّة الإنسان وإرادته وفرادته وهو قد أُعدمَ اختيارَ لحظتي وجودِه وعدمِه، لحظتي دخوله بابَ الحياة وخروجه منه؟! أيُّ وجودٍ هو هذا الذي يبأ بقيدٍ وبكاء، وينتهي بهرمٍ وفناء؟!

ما أن يشرع الإنسانُ بالحياة حتّى يروح يترقّبُ ساعةَ الموت، ساعة العدم بلا عودة! ومَن ذا الذي راحَ ثُمَّ عادَ وحدّثنا عن اللاعودة؟ أليسَ هؤلاء الذين شنّفوا آذاننا بالحديث عنها بشرًا لم يذوقوا طعم الفناء بعد؟ فكيفَ لهم أن يصفوا لنا ما لم يروه بأنفسِهم؟! هل يُدرك المؤمنون أنّ الإنسان لا يكون كذلك بعد الموت؟! ألا يروا جسدَه كيف يفنى على مهلٍ تحت التّراب؟! يقولون: هي الرّوح تبقى! وما هي الرّوح وأين هي؟! كيف ألمسها وجسدي ترابيٌّ من التّراب يأتي وإليه يعود؟ هل لمستَ روحك يومًا؟ أم هل اشتممتَ روائحَها؟ قلّي إن كنتَ رأيتَها أو سمعتَها أو تذوّقتَها؟! وإن كانت حواسّك الخمس لا تعرفها فكيفَ لعقلِك أن يتباهى ليلاً نهارًا بالحديث عنها؟ أليسَ العقلُ حواسًّا أم هل هو من شيءٍ آخر؟ ما أصعبَ أن يقودَك عميانٌ وأنتَ أعمى! هذه هي مأساةُ الحياة.

الثلاثاء 15 كانون الأوّل (مطار حلب).

هناك تعليقان (2):

jerji يقول...

يعني في الحقيقة أتحفتنا يا خيو.. يعني صمت صمت وفطرت على عَتَمِه(عتمة).. لك مو حرام عليك يا زلمة بلا شي نحن مطفيين من كتر اليأس جايي انت كمان تزيدا علينا.. يعني اذا بتعرف تكتبلك كلمتين ضروري تكتب شغلات تسودا بوشنا أكتر مانا مسودة.. كتبلك شي فرايحي يا مان والله غمغمتا كتير!! بالشرف ع شوي كنت رح خرطش الفرد وقوس حالي (فردي ما غيرو بتعرفو).. بس ما يروح فكرك لبعيد انو ما عجبني لي كتبتو بالعكس بس انكأبت شوي.. ع كل حال مو كتير مهم اذا عجبني الي ولا لأ المهم يعجبك الك قبل الكل.. بس تعرف اشو لي بيشفعلك بهالتدوينة انك كاتبة باكتر مطارات العالم حركة وتكنلوجيا وحضارة وترتيب وشرف وشرم... وخر... وكـ...أخـ...ن على هيك مطارات... يا زلمة غريب انو شلون اجاك وحي هونيك مو سهال؟!!

سيمون جرجي يقول...

لك الله عليك وعلى تعليقاتك الظّريفة مثلك، ضحكتني لفطست يا رجل، بشرفي تعليقك أحلى من التدوينة! روح جخ! بعدين الكتابة عن الواقع ما بيُعتَبَر سوداويّة وتكئيب (من كآبة)، إلا إذا مو عاجبك الواقع كلّو على بعضو، فهاد بحث آخر.
بالنسبة لمطار حلب، لك ليش عم تحكي عنّو هيك؟ وحياة اللي خلق البشر أحلى من مطار الخرطوم في السّودان، شو رأيك؟! p: