الخميس، ديسمبر 30، 2010

"وَرَّاقُ الحبّ": رواية لخليل صويلح

هي الرّواية الأولى التي تأخذني في رحلةٍ واحدةٍ منذ ابتداءِ الليل حتّى الفجر! ففي جلسةٍ واحدةٍ قرأتُ الرّوايةَ التي افترستْ ساعات الليلِ بشهيّةٍ تامّة، ولكأنّها تحملني على متنِ مركبٍ يتهادى في جدولٍ صغيرٍ منذ الحرفِ الأوّل حتّى الأخير. عرفتُها حينَ حملها أحدُ أصدقاء الكتبِ إليَّ في المكتب، وراحَ يقصُّ عليَّ كيفَ وجدَها صدفةً في أحد معارض الكتب النّادرة في مدينتنا كمن عثرَ على كنزٍ مخبوءٍ منذ غابر الأجيال. ولشدّة فرحِه ووصفِه، أوصاني بقراءتها. وما لبثتُ أن شغلتني أمورُ المكتبِ والدّاخلِ والخارجِ حتّى ذلك اليوم الذي شعرتُ بأنّي حرٌّ طليق مع بدء الليل. تلقّفتُها بين يديَّ وقلّبتها يمينًا ويسارًا، غلافًا وصفحاتٍ، وقلتُ في سرِّي: "قراءة يسيرة منها لن تصيبَ وسني بمكروه"! شرعتُ بقراءة العنوان ولم أكفّ حتى قراءته هو نفسه مرّةً ثانية في الصّفحة الأخيرة من الرّواية. دفعتني الصّفحة الأولى إلى الثّانية وهذه بدورِها إلى الثّالثة وهكذا دواليك دونَ فصلٍ أو رقمٍ أو عنوان حتّى وجدتُني أقلب ظهرَ الغلاف عسى أن أجدَ وراءَه صفحةً أخرى. انتهت ويا ليتها لم تنتهِ، وفي الواقع يشعرُ القارئ بأنّها في صفحتها الأخيرة تفتتحُ روايةً أخرى لم تُكْتَب بعد. ولهذا فحين طويتُها وأعدتُها إلى مكانِها على المكتب، قلتُ: "هذه مقدّمة في ثوبِ رواية كتبها خليل وراحَ في سطورِها ينقلنا من كاتبٍ إلى آخر، ومن كتابٍ إلى كتاب. موضوعتُها الرّوايةُ نفسُها وشجونُ الكتابة فيها، والبحثُ عنها أجزاءً وفصولاً، فمن تاجرٍ بغداديٍّ يهيمُ بخيال حسناء دمشقيّة، إلى كاتبٍ إسبانيٍّ أفنى جهدَه في روايةِ الأسماء، إلى مخطوط حبٍّ مهترئٍ باهتِ الحروف والكلمات لكثرة التقليب فيه والبكاء بين صفحاته، إلى ثريّا ولمياء وبهجة الصّباح وسلوى... إلى أن يتركك الرّاوي في حيرةٍ من أمرك لا تعرف من أين ابتدأت ولا كيف انتهيت! كتابٌ واحدٌ في فصلٍ واحدٍ يدعوك فيه كاتبُه إلى تذوّق متعة البحث والاستكشاف والتنقيب والعبث بالأشياء وبالنّاس والأفكار والأحياء، بمدنِ الشّرق القديم وكتّابها، بمؤلَّفاتها ومخطوطاتها، بمكتباتها ونسّاخها، بدمشقَ، وبأحيائها وبتاريخِها... ولا ينسى في نشوة السّكر بكلّ حميميّة الشّرق هذه أن يحطَّ ناظريك على مكتبتِه التي استقطبت أجسادًا طريئة، وكتبها المنتشرة في أنحاء البيت وصولاً إلى سطح الثلاجة في المطبخ! لن يظهرَ لكَ خليل صويلح حياءً عربيًّا كاذبًا حين يقصّ عليك ممارسات الحبّ وحميميّات الجسد في كلِّ مكانٍ وزمان، صباحًا ومساءً، في الأزقّة وفي المقاهي وفي مخادع النّوم وأسرّة العشّاق المحتجبة. "ورّاقُ الحبّ" (الفائزة في سنة 2009 بجائزة نجيب محفوظ للرّواية) ورّاقُها خليل وموضوعاتُها الكتابةُ والحبُّ، فطوبى لك يا خليل، وهنيئًا مريئًا لقارئها...

ملاحظة: أبلغتني الصّديقة إسبيرانزا ابنة النّيل والأهرام أنّها عثرت على رابط إلكترونيّ لقراءة الرّواية على شكل برنامج PDF، فعلى كلِّ راغب بها أن يقرأها على هذا الرّابط بعد تحميلها:
http://www.4shared.com/document/0iNGmi-_/__-__.html

هناك تعليقان (2):

جدل يقول...

تحليلٌ جميل وخفيف للرواية، يُثير الرغبة في قراءتها دون أن يُظهر أسرارها
شكرًا صديقي على هذه المقالة.

سيمون جرجي يقول...

عزيزتي جدل
أسعدَ اللهُ مساءَكِ بأسمى آيات الجَذَل.. في الواقع تكتنفني بعد كلِّ قراءة جملةٌ من المشاعر والأحاسيس والأفكار، وكم أرغبُ في إظهارها، لكنَّ الكتابة عصيّة في بعض الأحايين... أرجو أن أكون في عرضي الموجز قد أظهرتُ شيئًا منها. شكرًا لك.