السبت، أبريل 09، 2011

ماذا وراء الإسلاموفوبيا؟!

تحت هذا العنوان، كتبَ السيّد خالد القشطيني مقالاً في جريدة "الشّرق الأوسط" في الثّالث من نيسان الجاري 2011، يتحدّث فيه عن مفهوم "الإسلاموفوبيا" التي اجتاحت العالم الغربيّ ويعزوها إلى أسبابٍ سلوكيّة لا عقائديّة كما هو شائع عندَ النّاس! يقول:

"أثارت البارونيس سعيدة حسين وارثي، العضو في مجلس اللوردات ورئيس حزب المحافظين، ضجة في الأيام الأخيرة بقولها إن الجمهور البريطاني أصبح معتادا في كلامه على الإساءة إلى المسلمين. وجرت الضجة إلى التدقيق في موقف الأوروبيين عموما تجاه الإسلام والمسلمين. تبين أن معظم الأوروبيين أخذوا يتخوفون وينزعجون من المسلمين.

الموضوع في رأيي لا يتعلق بالإرهاب بقدر ما يتعلق بالسلوك. فنحن جئنا من عالم معتاد على الفوضى وتجاهل النظام والقانون وحقوق الآخرين. نتصرف من هذا المنطلق في محيط مختلف قائم على احترام النظام والقانون والآداب العامة وحقوق الآخرين. وبتصرفنا هكذا نزعج مضيفينا ونثيرهم ضدنا. أبسط مثال على ذلك، قيام بعضنا بقتل بناتهم أو ضربهن ضربا شديدا أو اضطهادهن لوقوعهن في حب أحد، ولو من ملتها.

أنا شخصيا احتجت لسنوات طويلة لأتأقلم على سلوك الغربيين. وما زلت أقع في كثير من الإساءات التي أرتكبها عفويا أو جهلا مني. ولكنني أصبحت أشارك هؤلاء القوم في انزعاجهم من سلوكياتنا. شعرت بهذا القرف في الأسبوع الماضي عند مراجعتي للعيادة الطبية المسجل لديها. كل أطبائها ومرضاها إنجليز. أنا العربي المسلم الوحيد بينهم. ولكن انضم إلي مؤخرا نفر من الآسيويين.

لهذه العيادة موقف مخصص لسيارات الأطباء والإسعاف. كلنا نعرف أنه موقف خاص فلا ندخله. والأطباء والإسعاف يحتاجونه لعملهم وخاصة للتحرك السريع عند الطوارئ. أنا أذهب بالبايسكل أو بالباص للعيادة. ودفعت غرامة كبيرة عندما جئت بسيارتي وتركتها في الشارع.

كنت جالسا في العيادة عندما رأيت نفرا من الآسيويين المسلمين يقتحمون الموقف الخاص، لا بسيارة واحدة وإنما بسيارتين؛ واحدة للمريض والأخرى للأصدقاء المشجعين! تركوا السيارتين في الموقف حتى انتهاء الفحص والمراجعة. سيلومني أحد إذا شعرت بالتقزز والتفتيش عن عيادة أخرى لا يوجد بين مراجعيها مسلمون آسيويون؟

هذه هي المشكلة السلوكية التي تجعل الغربيين يكرهوننا. والمطب هنا أن الإنجليز أيضا يتحملون مسؤوليتها. فأدبهم يمنعهم من تنبيه المقصر وتعليمه. »اسمع يا ولد، هذا مكان يحتاجه الأطباء والإسعاف لسياراتهم. و(يا غريب كن أديب)!». المغترب الآسيوي يأتي لأوروبا من دون أي أحد يوجهه ويعلمه. ويستقر ويتجنس من دون أي توجيه. ويستمر على سابق ما تعلمه من سلوك في وطنه الأصلي، ويجلب لنفسه ولقومه وملته الملامة ثم الكره ثم الاضطهاد. المفروض أنه بمرور الزمن يلاحظ كيف يسلك الآخرون ويتعلم منهم، عملا بالمثل اللاتيني: »في روما افعل ما يفعله الرومان!»، ولكن ذلك قلما يحصل. هذه هي الرسالة التي ينبغي أن يتلقاها المغترب المسلم من الوعاظ في المسجد، والمعلم في المدرسة، والموظف في سفارته.

الأدهى من كل ذلك، أن كثيرا من الدبلوماسيين العرب يقضون سنوات في الغربة ولا يتعلمون شيئا من سلوك الغرب، ويتصرفون كما لو كانوا في أحيائهم الشعبية في علاوي الحلة أو العجوزة، بل وأكثر من ذلك، يستغلون حصانتهم الدبلوماسية في تجاهلهم لكل الأنظمة والمتطلبات القانونية للبلد الذي يعملون فيه".

مصدر المقال.

نفتتحُ الإجابة على المسألة ونقول: لو كانَ الموضوع معلَّقًا بالسّلوك يا سيّدي، وبما سمّيتَه اعتياد الفوضى في محيطٍ لا يعرف النّظامَ والقانون ولا احترامَ الآخر وحقوقه؛ فما قولُك في الشرقيّين المسيحيّين القادمين من المحيط نفسِه والمعتادين هم أيضًا فوضى الشّرق؟! لماذا لا ينظرُ الغربُ والغربيّون إليهم ويعاملونهم كما ينظرون إلى المسلمين ويعاملونهم، ولا فرقَ بين هؤلاء وأولئك سوى اختلاف الدّين؟! لماذا يشعرُ الغربيُّ بالأمان مع شرقيٍّ مسيحيّ (أو حتّى لا دينيّ أو ملحد) ولا يشعر بذلك مع مسلمٍ أيًّا كان؟! إنَّ الإجابة على هذه الأسئلة تنسفُ نظريّتك القائمة على أنّ سلوك الأوروبيّين تجاه المسلمين اليوم هو نتيجةٌ لسلوك المسلمين (بسبب تنشئتهم)! فالواقع يثبت العكس.

راحَ الكاتبُ في مسألةٍ أخرى يشطح بعيدًا عن الواقع، ويلقي اللومَ بطريقةٍ غير مباشرة على الدّول الغربيّة التي تستقبلُ المهاجرين إليها "دون أيّ توجيهٍ أو تعليم"!! يا للعجب العجاب، هل سمعتم هذا الكلام؟! هل يُمكن أن ينطقَ بهذا رجلٌ يعيش في دولةٍ أوروبيّة منذ سنوات؟! أين تعيش يا عزيزي خالد، أفي بريطانيا أم في بلاد الواق واق؟! منذ أن تطأ قدما مهاجرٍ هذه البلاد فإنّهم يدفعونه دفعًا إلى مدارس "الغرباء" لتعلّم لغتهم وثقافتهم وحضارتهم وقوانينهم! والغريبُ المهاجر قد يشترك بدرسٍ أو اثنين ثُمَّ يتهرّب من التعليم فالعملُ "بالأسود" (بدون دفع الضّرائب) أهمُّ بكثير من صرفِ الوقت في مثل تفاهات الغربيّين هذه. لا بل ينتهزُ هذا الغريبُ الفرصَ للتحايل على القانون واللعب بالأنظمة، وهو يُدرك تمامًا ماذا يفعل! ولو لم يدرك هذا فكيفَ يلجأ إلى ابتكار كل تلك الحيل ومن أشهرها عدم ارتباط زوجين بعقدِ زواج للحصول على راتبين منفصلين، إخراج الأولاد من المنزل بعد بلوغهم الثّامنة عشر (على الورق فقط) للحصول على راتبٍ إضافيٍّ، العمل دون تسجيل أي دون دفع الضّرائب بالرّغم من حصول هذا العامل على راتب الضّمان الاجتماعيّ ومساعدات المؤسّسات!!

تحاول الأنظمة المتحضّرة مساعدة الغرباء على التعلّم والتأقلم في بلدهم الجديد بكلّ وسيلةٍ وأسلوب، حتّى أنَّ دولةً مثل السّويد تدفع لمواطنها سواء أسويديًّا أصيلاً كان أم غريبًا متجنّسًا راتبًا شهريًّا لقاء الدّراسة والتعليم. وبرغم كلّ ما تفعله هذه الدّول في سبيل تنمية الغرباء نجدُ كاتبًا كخالدٍ صاحب المقال يقول بكلّ وقاحة "المغترب الآسيوي يأتي لأوروبا من دون أي أحد يوجهه ويعلمه. ويستقر ويتجنس من دون أي توجيه". فيا للأسف، يا للأسف الشّديد!

ويلجأ الكاتبُ أيضًا إلى أفكارٍ غريبةٍ عجيبةٍ لربّما جاءَ بها من بلاد العجائب التي زارتها أليس، فيذكر لنا أنَّ أدبَ الأوروبيّين (يذكر الإنجليز مثالاً) يمنعهم عن "تنبيه المقصِّر وتعليمه". ويغفل أنَّ القانون في بريطانيا وغيرها فوق كلّ أدبٍ ولطفٍ ومجاملة. فإن أخطأ بريطانيٌّ أو مهاجرٌ يحمل الجنسيّة البريطانيّة فلا بُدَّ من أن يتحمّلَ نتيجة خطأه مهما كان! المثال الذي طرحه السيّد خالد هو قيام بعضِ الآسيويّين المسلمين بشغلِ موقفٍ خاصٍّ بسيّارتين اثنين دون أن ينبّههم أحد أو يتعرّض لهم بكلمة تعليم أو تأديب! يا الله! وأين القانون يا سيّدي الكريم؟! فلو مرَّ شرطيُّ سير في ذلك المكان لوضعَ مخالفةً على زجاج السيّارة تكفلُ أن تلقّن هؤلاء درسًا لن ينسوه أبدًا. والأوروبيُّ وخاصّة الألمانيّ لا يخجل من تنبيه الذين يخالفون الأنظمة عيانًا عن قصدٍ أو غير قصد، وأذكرُ أنّي في زيارتي مدينة شتوتجارت الألمانيّة منذ ثمانية أعوام (وكانت المرّة الأولى لي في أوروبّا) وقفتُ مرّةً مع جمع الواقفين على الرّصيف بانتظار لون الإشارة الأخضر، وبعدَ أن خلا الشّارعُ من السيّارات عبرتُ لمللي من الانتظار، فأشارَ لي البعضُ في الطّرف المقابل بسبّاباتهم مبدين استياءَهم ممّا فعلتُ، وسمعتُ بضع كلمات ألمانيّة تنمّ عن هذا الاستياء! وثمّة أمثلة عديدة تبيّن أنَّ الأوروبّي فردًا وجماعاتٍ ومؤسّسات يبذل الكثير في سبيل التوجيه والتعليم والإرشاد لكافّة المواطنين وخصوصًا المهاجرين الجدد، فكن منصفًا بحقّ من آواكَ يا سيّدي الكاتب النحرير!!
.
.

ليست هناك تعليقات: