الأربعاء، أكتوبر 29، 2008

حجبٌ واعتقالات... قمعٌ للحرية ومساحات الفكر!

تكثرُ العناوين المتحدّثة عن الشبابِ وربطهم بالأملِ، هذه الفضيلة الإنسانيّة، في مواجهة مصاعبِ الحاضر ومشكلاته، فهم رجاءُ الغدِ وأملُ المُقبِلِ، وحياةُ الأوطان العتيدة... ويلجأ الشبابُ العربيّ المثقّف، الذي يُعاني في الواقعِ من عوائق عدّة في وجه إبداعه الفكريّ والعمليّ، إلى الشبكة العنكبوتيّة في مجمّعات تعنى بالحوار والمحادثة وتبادل الآراء حول مسائل شتّى اجتماعيّة أو سياسيّة أو دينيّة دُعيت اصطلاحاً "منتديات". ومن النادرِ ما يجتمعُ في منتدىً معيّن أطيافٌ تنتمي إلى أعراقٍ وأديانٍ ومذاهبٍ وجنسيّات مختلفة، لأسبابٍ تدور في معظمها حول الهالة المقفولة المكوّنة حول الأديان المنتشرة في بلاد التيوقراطيّة، وأسبابٍ أخرى تتعلّق بحرية التعبير المُغيَّبة في بلاد القمع والإرهاب الأوتوقراطيّة!!!
.
هذا ما يدفعُ الكثيرين في مجتمعات تعاني من أمراضٍ مختلفة وتضييقٍ وقمعٍ واستعبادٍ إلى الهربِ من واقعهم وقضاء ساعات النهار والليل في مجتمعاتهم الافتراضيّة تلك يعبّرون فيها، تحت أسماءٍ وألقابٍ مستعارة، عن حريّة قد تتجاوز كلَّ حدود وأطر، لا بل تتمرّد أحياناً لتبلغ ذروتها في التخلّص من كلّ عادةٍ أو تقليدٍ، والتعرّض لما يُسمّى بقدسيّة الأديان، وطغيان الأنظمة وفسادِها، ضمن الحماية التي تؤمنها لهم تلك الأسماء المستعارة التي قد تصبح أحبَّ إليهم من عالمهم الحقيقيّ.
.
يبقى الكلامُ عامّاً إن لم نشرْ بالاسمِ والمثال إلى مجتمعٍ ومنتدىً معيّنين، وستكونُ سوريّة صاحبة هذا المثال، لاقتحام أجهزتها الأمنيّة خصوصيّات مواطنيها وصولاً إلى طعامِهم وشرابِهم وكتابِهم وأسرّة رقادهم.
.
لم تتعرّض أجهزة المخابرات السوريّة القمعيّة للسياسيّين أو المثقّفين أو الكتّاب فقط، بل طالتْ يدها لتشملَ الشباب في قلبِ مجتمعاتهم الافتراضيّة تلك. فبعدَ إجراءات تعسّفيّة قامت على مراقبة مقاهي الإنترنت وخطوط هذه الشبكة، لملاحقة كلّ من يتجرّأ على الدّخول إلى منتدىً أو موقعٍ عملتْ السّلطات على حجبِه، خوفاً من لسانه الحرّ، وصلَ هذا الضّغطُ الأمنيُّ المنحرفُ حداً لا يُصدَّق، إذ شدّدَتْ تلك الأجهزة على أصحاب المقاهي مؤخّراً بتدوين تفاصيل الهويّة الشخصيّة لكلِّ من يدخلها ويخرج منها باليومِ والسّاعةِ، وتسليم هذه البيانات مرّةً كلَّ شهرٍ بشكلٍ دوريٍّ مقيت، بقرارٍ صُدرَ مؤخّراً عن أحد الفروع التابعة للمخابرات العسكريّة، وكأنَّ التعرّضَ للفسادِ بشتّى أشكالِه باتَ خطراً على أمن بلادنا عسكرياً!!! "يلعن أبو هالبلد" هكذا علّقَ أحدُ العاملين في مقهىً سوريٍّ للإنترنت. تنسى سلطات القمع هذه أنَّ الفكرَ هو الشيء الوحيد غير المراقب، وإن استطاعت اليومَ كمَّ الأفواه فهي لن تستطيعَ أبداً أن تمنع عقولَ المتحرّرين من العملِ يوماً بعدَ يوم على محاربة الفساد بشتّى أشكالِه، والنّهوض بالمجتمع.
.
في خضمّ هذه الظّروف العنيفة يتعرّض منتدىً شبابيّ معروف لمحنة شديدة بسبب الملاحقة الأمنيّة المستمرّة، يُعرف باسم منتدى "أخويّة" www.akhawia.com نشأ هذه المنتدى في نهاية سنة 2003 في كنف الكرمس الخيريّ التابع لأخويّة سيّدة السّلام في مدينة حمص السوريّة. وقامَ بالسّهر عليه مجموعة مميّزة من شبّان الأخويّة فاقتصر الانتسابُ بدايةً على هذه العناصر. في وقتٍ لاحق ولأسبابٍ عدّة بدأ المنتدى يجمعُ عناصرَ غريبةً عنه تعود إلى انتماءات دينيّة وفكريّة واجتماعيّة مختلفة.
.
وهكذا انتقلَ منتدى الأخويّة إلى حيّز علمانيّ أوسع، خرجَ بعدَها من مجموعة الأُطر التي كانت تحدّه ضمن لونٍ دينيّ ثقافيّ بيئيّ واحد، وصارَ محفَلاً يضمُّ بالإضافة إلى الشبابِ السوريّ، وهو العنصر الأساسيّ فيه، مجموعات أخرى تنتمي إلى مذاهب دينيّة وعقائد فكريّة عديدة تعود إلى بلدان عربيّة أهمّها مصر. كما وانتقالِه إلى العلمانيّة أطلقَ العنانَ لنموٍ غير محدود، فـ"في سنة 2006 فقط تضاعفَ عددُ الأعضاء أكثر من خمسين مرّة!" هكذا قالَ ياس وهو شابّ سوريّ يدير مجموعة المشرفين والمنسقّين الذين يتعاونون في إدارة المنتدى وصفحاته المتعدّدة. يقول ياس (وهو لقبُ عضويّته): منتدانا مستقلّ تماماً وهو لا ينتمي إلى أيّة جهة أو حزب أو منظّمة، بل ينتمي إلينا كشبّان يطمحون في نشر قيمٍ تساهم في توعية وتنمية بلدنا سوريّة وشعبِها الرّازح في ظلّ عبوديّة ثقيلة على صعدٍ كثيرة أهمّها الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصادية... إلخ. وأكملَ يقول: "منتدانا ليس موقع معارضة سياسيّة، وخاصّة لأنّه لا يمتّ بصلة إلى أيّ حزب أو تنظيم، بالإضافة إلى وجود أعضاء لا يتّفقون مع الآخرين في تسليط الضّوء على ما يحدث من أخطاء كبيرة أو صغيرة في سوريّة. رسالتنا تدور حول صقل فكر الشّباب والأسس التي يبنون عليها أفكارهم وتوجّهاتهم. فمع مراقبة عدد من الشباب المنتمين إلى الأخويّة، يُلاحظ تقدّم إيجابيّ سريع في أسلوبهم وطريقة نقاشهم، وهذا يُسعدنا لأنّنا في الحقيقة لا نهدف إلى تغيير الأفكار، بل إلى تغيير نمط التفكير والسّعي إلى قبول الآخر بكل ما فيه من اختلاف، وأظنّ أنَّ هذا سيجمع أطياف المجتمع السوريّ حول مائدة واحدة مهما بلغت اختلافاتهم"!.
.
القيام بجولة سريعة في المنتدى بغاية إحصاءٍ موجز يدهشنا لكبر الأرقام التي نتعامل معها، فحتّى اليوم فاقَ عددُ المنتسبين 175 ألفاً، حوالي عشرة آلاف منهم عضوٌ ناشط، بينما تجاوز عددُ المواضيع مئة ألف وفاقت المشاركات كاملةً الـ "مليون".
بالتأكيد نحن لا نتحدّث عن مواضيع ومشاركات وأعضاء في مجالٍ معيّن فقط، إذ يُعدّ المنتدى مجمَعاً ثقافيّاً وفكريّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً (دون انتماءٍ واحد) بالإضافة إلى كونِه أداة ترفيه وتلاقي بين مختلف الأعمار، وقد يكونُ هذا سبباً رئيسيّاً في هذا العدد الكبير! ويُمكننا أن نشهدَ إقبال فئة واعية على الأقسام السياسيّة ومن بينها "المنبر الحرّ"، بالإضافة إلى بعض الأقلام الواعدة في الصّفحات الأدبيّة.
يبلغ عددُ الأعضاء الذين يرتادون المنتدى يوميّاً ألفاً، بينما يفوقُ هذا العدد بكثير الزوّار والقرّاء. ويتوزّع الطاقم الإداريّ بتراتبيّة هرميّة تبتدئ بالقائم فالمشرف الإداريّ فالأمين فالمشرف فالمنسّق. كما ومن الملفت أنَّ الإصدار أصليّ وهذا يمنح الأخويّة أماناً وحماية كافية. ولا ننسى أن نذكر أنَّ المشاركات غالباً ما تعتمد في صياغتها على لهجات سوريّة مما يمنحها واقعيّة أكثر وحيويّة مستمدّة من تراث شعبيّ واسع. ويقوم المنتدى أحياناً باستضافة شخصيّات عربيّة ضمن حوار خاصّ ومفتوح، ومن ضيوفِ الأخويّة حتّى اليوم السيّد الدكتور مصطفى البرغوثيّ الأمين العامّ للمبادرة الوطنيّة الفلسطينيّة، والفنّانة التشكيليّة السوريّة سارة شمّة.
.
وبسبب حريّة التعبير والتفكير التي تُعدُّ من أهمّ الأسس التي بُني وما زال يُبنى عليها المنتدى، يسلّط الكثيرون من المهتمّين بالشّأن السياسيّ الضوءَ على الحالة المترديّة للواقع السوريّ الرّاهن، فينالوا بأقلامهم من الإجراءات القمعيّة السّائدة في هذا البلد منذ أكثر من أربعة عقود. ولا يميّزون في نقدِهم بين رئيسٍ أو وزيرٍ أو نائبٍ فالكلّ يخضع لميزان مراقبة الفساد دون محاباة. هذا الأمر أقلقَ أجهزة الأمن والمخابرات لأنَّ التعبير الحرّ هو بداية انتفاضة عمليّة ستجرُّ وراءَها كلّ من يؤمن بتجسيد أقوالِه على أرضِ الواقع حتّى لو أدّى به الأمر إلى دواليب التعذيب وقضاء سنوات عمره في قاع السّجون المعتمة. فقامت مؤخَّراً إحدى السّلطات الأمنيّة غير المعروفة بحجبِ الموقع من على صفحات الشبكة الإلكترونيّة، أضرمَ هذا الحجب الحماسة في قلوب عناصر إدارته فأنشأوا روابط عدّة بعناوين مختلفة من أجلِ الحفاظ على هذا الرّابط الشبابيّ، ممّا دفع بقوّات الظّلام إلى حجب السيرفر كاملاً فتعطّل مع الأخويّة حوالي 300 موقع، أغلبيّتها لا تمتّ بصلة إلى السّياسة لا من بعيدٍ ولا من قريب. هذه الإجراءات القمعيّة تدلّ على إفلاسٍ لا مثيل له، فكتم الأفواه بالقوّة ليس إلا دليلاً ساطعاً على الضّعف. كما ومن المؤسف أن يتراجع عددُ الزوّار، بسبب هذه السياسات التعسّفيّة، من 85 % في سنة 2006 إلى 65 % هذه الأيّام، وخاصّة بعد استدعاء بعض الذين يتولّون الإشراف الإداريّ على أقسامِه (في الماضي)، والتحقيق معهم. وبرغم ذلك يجدُ "ياس" المشرفُ الإداريّ الأوّل الأرقامَ جيّدةً وتبعث في التفاؤل مع وجود هذا الحجب والتضييق وكلّ ما من شأنه أن يسكتَ هذا الصّوت.
.
ما هو أهمّ من كلّ هذا ما حدث في السنتين الأخيرتين، إذ تعرّض بعضُ الأعضاء للاعتقال والخضوع لتحقيقات سريّة ومحاكمات غير قانونيّة بتهم إضعاف الشّعور القوميّ والسّعي في إنشاء تجمّع مستقلّ يضادد النّظام الحاكم وسياسته في الحكم، وتراوحت العقوبات بين الخمس والسبع سنوات من السّجن.
حدث هذا عندما قامت مخابرات القوى الجويّة وهي فصيلٌ تابع للمخابرات العسكريّة باعتقال كلّ من حسام ملحم (كليّة الحقوق)، وعلي علي (إدارة الأعمال) بتاريخ 24 كانون الأوّل 2005، ثمَّ اعتقلت زميلهما طارق غوراني في 19 شباط 2006. وواصلت سلسلة اعتقالاتها لمجموعة أخرى من زملائهم وآخرين ليبلغوا ثمانية. وبعدَ حوالي سنة من الاعتقال أصدرتْ محكمة أمن الدولة العليا بدمشق أحكاماً بالسّجن على سبعة منهم، جاءت كالتالي:
سبع سنوات على طارق غوراني (25 سنة)، وماهر إبراهيم أسبر (26 سنة). وخمس سنوات على كلّ من حسام ملحم وأيهم صقر وعلام فاخور ودياب سرية وعمر العبد الله.
.
في هذه الأثناء شعرَ أحد أعضاء الأخويّة المميّزين وهو من دمشقَ ويُدعى "كريم عربجي" (31 سنة) بوصولِ البللِ إلى ذقنِه. كريم تخرّج من قسم المحاسبة في كليّة الاقتصاد بجامعة دمشق، وكانَ يدير مكتباً استشاريّاً لما يتعلّق بالمحاسبة في الشّركات التجاريّة. استُدعي العام الماضيّ إلى أحد فروع المخابرات العسكريّة بشكلٍ متكرّر، حتّى استدعاء اليوم السّابع من حزيران العام الماضي حيث اعتقلَ دون إعلام ذويه ودون السّماح لأحد بالاتّصال به، ونُقلَ على الفور إلى فرع فلسطين ومنه إلى سجن صيدنايا العسكريّ. مثلَ أمام محكمة أمن الدّولة العليا الاستثنائيّة في آخر جلساتها ضمن قضيّته بتاريخ 20/ 4/ 2008 واتُّهمَ بنشر أخبارٍ كاذبة من شأنها إضعاف الشعور القومي وفقاً للمادة 286 من قانون العقوبات. ثمَّ عيّنت المحكمة نفسُها تاريخ 8/ 6/ 2008 موعداً لجلسة أخرى، إلا أنّها قامت مؤخّراً بإلغائها بحجّة واهية تقوم على أنَّ المبنى الجديد للمحكمة الواقع في منطقة المزّة (دمشق) لم يكتمل بناؤه بعد. اليوم وبعدَ مضيّ أكثر من عامٍ وشهرين على اعتقالِه يقبع كريم في سجنِه بانتظار اكتمال مبنى المحكمة ليخضع للمحاكمة!!! وماذا لو بقي المبنى على حالِه إلى أجلٍ غير مسمَّى على شاكلة المشاريع الوطنيّة الأخرى؟! علمُ هذا عندَ أصحابِ القضاء السوريّ العادل!
.
قبل أن يغادرنا، شعرَ كريم بما يُحاك له في عتمات المكاتب السّوداء، فكتبَ وصيّته لنا على صفحات محفلنا، لتبقى ذكرى وحافزاً يدفعنا على مواصلة المسيرة التي لن تنتهي باعتقالِنا أجمعين، جاءَ فيها: "مرحبا شبيبة... بيجوز هاليومين يعزموني جماعة صحابي على سينما بيت خالتي أحضر هنيك فيلم "نجوم الضهر" المشهور بالألوان. بتعرفوها للسينما ما هيك؟ سابع قبو بعد جهنّم الحمرا... فرع فلسطين!!! لهلأ ما بعرف شو هي التهمة! بس بيقولوا أنو محضرينلي ياها من قبل ما أخلق. مشان هيك قرّرنا مع إدارة "أخوية" أنو نتّخذ بعض الإجراءات الاحترازية في حال ضبّوني الشباب ببيت خالتي، واللي ما بيحسب ما بيسلم. الآن أتركُ لكم وصيّتي:
إلى الملحدين... يا ملحدين، يا كفرة، يللي ما بتعرفوا ربنا، اذكرونا بالخير كلما استمعتم إلى فيروز ومارسيل خليفة.
إلى المؤمنين... ادعولنا يا شباب وصبايا، ادعولنا الله يشيل عنّا وعنكم وعن حبابكم، ادعولنا الله يتوّه طريقهم وما يعرفولنا طريق.
إلى جماعة المعارضة... عباية يا شباب عباية، وخصوصي بنّوتة عيونا زرقا، خراسْ وسدْ بوزَك هالكام يوم، الشغلة مو عنترة... لازم حدا يضلّ برّا مشان يتابع الأخبار والنّضال.
إلى جماعة الموالاة... لك نيّالكم ما أهنا بالكم.
إلى المشرفين... أنتو أحلى عيلة ممكن حدا يتعرّف عليها، خليكم إيد وحدة متل ما بعرفكم.
إلى الحكيم... لا تواخزنا خيّو... وجّعنالك راسك، شكراً جزيلاً على مساحة الحرية يللي وفّرتها للشباب والصّبايا، وسامحني على أخطائي وإذا خيّبت أملك، لك دخيل رب سوريّا ما أحلاها. ودمتم للحرية".
.
تجدرُ الإشارة إلى أنَّ الأجهزة الأمنيّة تقوم بحملة اعتقالاتها متفيّئةً بقانون الطوارئ السوري، الفاعل منذ 8 آذار 1963، ولا سيّما المادة 4 (أ) من المرسوم التشريعيّ رقم 51، التي تمنحها صلاحيات واسعة للقبض على الأفراد واحتجازهم. وهذا في الحقيقة ليس مبرّراً أو سبباً لاعتقال هؤلاء الشّباب، الذين عبّروا عن آرائهم بحريّة تامّة، دون مراعاة القضاء وأسسه العادلة. وخاصّة مع ذكر المادة 38 من الدّستور السوري التي تنصّ، ضمن ما تنصّ عليه، على أنَّ "لكلّ مواطن الحق في أَن يعرب عن رأيه بحرية علنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي".
.
ونحن من موقعنا كأعضاء في منتدى جمعَ طارق وعليّ وحسام ودياب وعمر وكريم، نطالبَ الحكومة السوريّة بالإفراج عن أصدقائنا، والكفّ عن سياسة الإرهاب الفكريّ، والحجب المتواصل للمواقع والمنتديات التي تساهم في نشر الوعي في مجتمعٍ مهدَّد بالسّقوط في أيّة لحظة، بعدَ توافر الأسباب الكافية لسقوطه هذا. والعمل على تحرير الطاقات الثقافيّة والإبداعيّة وتوجيهها في ما يعود بالخير على كلّ من المجتمع وأفرادِه.
.
كلمة أخيرة: نحن لا نهدف إلى إسقاط نظام أو حكومة أو تغييرها، هدفنا الأوحد هو أن تسعى الحكومة بكافّة أنظمتها (وخاصّة الأمنيّة) إلى تغيير نفسِها بنفسِها، وأن تقبلَ الآخر باختلافِه، وتفتح الطريق المغلق أمام الحرية بكافّة أشكالها، وتسعى إلى بناء مجتمع يسوده السّلام والعدل.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

سيمون جرجي معارضاً

هذا العنوان الذي اخترته لمقالتي المختصرة بعيد عن الصحة، لا يعبر عن حقيقة الموضوع الذي نحن الآن بصدده، وما اخترته إلا لجذب الانتباه. فسيمون جرجي لم يكن معارضاً فيما مضى، ولن يصبح معارضاً غداً. نحن نعرفه رجلاً هادئ الطبع والفكر، مسالماً، محباً لوطنه حبّاً سيجعله يتحاشى الانخراط في حركات المعارضة ذات الطابع الثوري؛ لأنَّ هذه الحركات- على حدّ زعمه - لن يكون من شأنها إلا الإطاحة بأمنِ وسلامة الوطن. وأمنُ وسلامة الوطن ثابتٌ مقدس لا يجوز مسّه ولو مسّاً رفيقاً.
ومن هنا؛ أي من هذا الفهم لطبيعة الكاتب، يمكن لقارئ (ريبورتاجه) المنشور على صفحات الناقد بعنوان (حجب واعتقالات...) أن يُفسّر خلوّه من المفردات الثورية العنيفة ومن الإدانة الصريحة التي اعتدنا أن نسمعها من المعارضين لنظام البعث السوري. حتى ليبدو الريبورتاج في مجمله تقريراً لإحدى وكالات الأنباء العالمية المحايدة.
يتحدث الريبورتاج الذي صيغ بلغة فنية متقنة، وتوفرت له مقوماتُ النجاح، عن الاستبداد السياسي لنظام البعث. فئة من الشباب السوري تحلم بفضاء من الحرية يتسع لأجنحتها التواقة للتحليق؛ ولكنّ أجهزة الرعب لا تمكّنها منه، فتنقض عليها وتفترس أحلامها.
ثمانية من هؤلاء يحكم عليهم بالسجن أحكاماً هي أشد قسوة من الموت. وليس من ذنب اقترفوه إلا أنهم أحبوا يوماً أن يفكروا بحرية.
سيعرض لنا الكاتبُ تفاصيل هذه الجريمة من خلال شهادات يدلي بها أصدقاءُ الضحايا، الذين لمّا تنجح أجهزة الرصد والمراقبة بعدُ من الكشف عن هوياتهم المستترة.
ولكنه لن يذكر لنا كيف استطاع (حماةُ الديار) أن يميطوا أقنعة الأسماء المستعارة عن وجوه الضحايا !؟
ولن يذكر لنا لماذا لم يحتجَّ الشعبُ السوري وهو يرى قافلة من الأبرياء (ومن قبلهم قوافل) تساق للذبح ؟
ولن يذكر لماذا يصمت كتابٌ وكاتبات محترمون ومحترمات، مبدعون ومبدعات في (عاصمة الثقافة العربية) و (عاصمة الثقافة الاسلامية) أمام هذه الجرائم ؟
بينما يخرج الملايين من السوريين للتنديد بالولايات المتحدة؛ لأنَّ قواتها في العراق(باتفاق سري مع الحكومة السورية)، قتلت ثمانية من الإرهابيين، الذين زرعوا الموت في بغداد والموصل.

سيمون جرجي يقول...

عزيزي إيليّا
إنَّ النّور الذي سلّطتَه على هذا التقرير يبيّن القدر الذي تتمتّع به من ذكاء ومنطق ونظر ثاقب! لا أعلمُ كيفَ توصّلتَ إلى قراءة سطورٍ أخفيتُها في قلبي ولم أردْ الكشفَ عنها على العلن... وفي كلّ الأحوال أشكرُك على فيض المديح الذي أغدقتَه بغير حساب حول لغة ونجاح التقرير، برغم أنّك أكبرتَ منه أكثر مما يجب.
بالنسبة لما أوردتَه عن رأيي في طوائف المعارضة السوريّة أخبرك أنه لو استطاعتْ إحدى فئات المعارضة أن تبيّن عكسَ ذلك، فلن أتوانى عن تأييدها!
أمّا حماةُ الدّيار فموجودون في كلِّ مكان، وعيونُهم كانت موجودة أيضاً في ذلك المنتدى الذي يعرفُ أعضاؤه بعضهم بعضاً بالاسم، حتّى أنّ الكثيرين منهم على علاقة جيّدة وصداقة متينة بالبعضِ الآخر! ويبدو أنَّ إحدى عيون حماة الدّيار كانت واحداً من هؤلاء الأصدقاء!
الاحتجاجُ كان خجولاً إلى درجة نسيانِه بعد عدّة أسابيع. لا بل إنَّ الاحتجاجَ الخجول لم يخرج إلا من عدّة أفواه أقلّ من أصابع اليد الواحدة، ومن بينها "لجنة حقوق الإنسان في سورية".
والإجابة عن سؤالِك حول سكوت المثقّفين والكتّاب وردتْ ضمن السؤال، إذ يكفي انتماؤهم إلى هذه الثقافة العربيّة الإسلاميّة ليكون حجرَ عثرة في مسيرتهم الصّامتة.
فأمّا عن سؤالِك الأخير فالطلبة يخرجون خوفاً من التهديد بالرّسوب أو الفصل، والموظّفون يخرجون خوفاً من إحالتهم إلى تحقيقٍ أمنيٍّ عسكريّ أقلّ ما في جعبته اتّهامهم بإضعاف الشّعور القومي وخيانة الوطن! أذكرُ أيّام المسيرات (هي في الحقيقة مُسيَّرات) كيفَ كان يتوعّدنا "مدرّب الفتوّة" ويهدّدنا علناً بالعقوبات التي ستنهال على رؤوسنا إذا ما تجرّأنا وأهملنا حضورَ تلك المفخرة... وكيف عانى أحدُ الرّفاق بعدما أحيل إلى تحقيقٍ أمنيّ بسبب مرضِه الذي ألزمه الفراش في يوم انقلاب الأسد (16 تشرين الثاني 1970).