الاثنين، يناير 05، 2009

الخطيئة!

السّبت 23 تمّوز 2005 (جويوزا ماريا- صقلّيّة)
.
كنتُ هذا الصّباح عبداً من عبيدِ الخطيئة، من فصيلة الزّناة! كنتُ كتلك العروس التي استبدلتْ عروسَها الأمين بزناة الليلِ الفاسقين، متوهّمةً أنّها تحصل على حياةِ زيتٍ وخبزٍ وخمر! لو ما كنتم تعرفون لما كانتْ عليكم خطيئة، لكنّكم تعرفون فخطيئتكم ثابتة. وهكذا مضت هذه الكلمات تطلقُ في فكري سهامها من كنانةٍ فيها من أصنافِ السّهام ما لا يُحصى ويُعدّ.
.
كنتُ أعلمُ أينَ الحقيقة وفي أيّ دربٍ تكون، لكنّي مضيتُ مصراً في دربِ الخيانةِ دون كللٍ أو ملل. ماذا أقولُ بعدُ وبأيّ لسانٍ أمدحُك يا ربَّ الأكوانِ وعروسَ البشرِ الأبديّ. صرتُ مثل شعبِ إسرائيلَ الزّاني الباحثِ عن الحقيقة خارجاً عنكَ، السّاعي في أثرِ حروفِ الموتِ، بينما يغفل عن رؤيتك أنت الحقيقة في ذاتها.
.
لا يسعُ المكانُ حزني ولا ينفعُ فيه أسفي، فليتمزّق إذاً قلبي الصّغير هذا المملوء من أوهام العالم المنجذب إلى الأباطيل، وليذهب إلى الجحيم.
.
أعدني إليكَ يا ختنَ الأزلِ والأبدِ، أدخلني خدرَك الدّافئ، وأعنّي كي لا أدنّسه من جديد. اطبع في قلبي ختمَ حبّك ختماً أبدياً لا يُمحى، واجعل من العابرين المُبصرين يعرفونَك فيَّ، ويعرفون أنّني لك وحدَك دون شريك. انحت في صخرِ فكري اسمَك، ونمّي في تربةِ قلبي بذورَك، واستأصل منها زؤان الخطايا التي استعبدتني.
.
ساعدني على التأمّل في كلمتِك، لأنّها الوحيدة القادرة بسلطانٍ على تغييرِ القلوب. هي ذي أمثالُك ورموزُك تكلّمني بلغةٍ يعرفها الحاذقون، هو ذا صليبُك مزروعاً أمام ناظريَّ يقصُّ عليَّ رواية خلاصٍ معدٍّ منذ أقدم الأزمان، ها أنتَ تبسطُ على دفّتيه جناحيك محلّقاً في عالم الأموات باعثاً الإنسانَ من أرضِ الرّقاد. ها أنتَ تحملُه كسيفٍ بتّارٍ ذي نصلٍ لا يخيب، تقطعُ به رأسَ الموتِ وتهدُّ مدامك مملكته وتجعلُ منها غباراً تذرّه رياحُ البعثِ والغَلَبة.
.
قدني يا ربُّ إلى حدائقك، وعلّمني أن أحطّ على أزهارها مثلَ فراشةٍ مستنيرةٍ، لا مثل تلك الكسولة التي أفاقتْ بعدَ الغروب فضلّتِ الطّريقَ وحلَّ الظلامُ وبحثتْ عبثاً عن حدائقِ الحقِّ ولم تجد غير أنوار الأباطيل، فدارت حولَها وبقيتْ تدورُ حتى سقطتْ صريعةَ الوهمِ عندَ الصّباح. بل قدني بنفسِك وضعني براحتيك على زهرِ ملكوتِك لأرشفَ منه بقربِك رحيقاً حلواً عذباً لا يفنى ولا يزول.
.
فأمّا أحبّائي الذين خنتُ فهبهم قلوباً حليمة تسعفني في لحظاتِ ضعفي بغفرانٍ يعزّز من رجائي ويُبعد عني أشباحَ اليأسِ؛ وأفض عليهم مزيداً من الحبِّ ليملأوا فراغَ ما أنقصتُه بخيانتي، ودلّهم إلى بابِ الرّحمةِ بين أبوابِ الفضائل، واجعل منّي ومنهم شجرةً تسكنُها الوحدة والأمانة ولا تثمر إلا الخير والصّلاح.

هناك 4 تعليقات:

Sam يقول...

هناك مقولة في الدين الاسلامي على ما أذكر أنها حديث شريف
" كلُّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون"
للتوبة لذة تفوق لذة الخطيئة

سيمون جرجي يقول...

عزيزي سام
إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ ينظرُ إلى قلبِ الإنسان وإيمانه أكثر ممّا ينظر إلى التقيّد بالشرائع البشريّة الموضوعة لخدمة الإنسان لا لاستعبادِه.
من أحبَّ كثيراً غُفرتْ له خطاياه الكثيرة.
تحيّتي لك.

غير معرف يقول...

ننثُرُ بعضاً من زفراتنـــا التي لا نملكها أصلاً على أُجساد لن نملكها أبداً, فنصحو مرتعدين من هول الوحدة التي مــا نقصت .. بل إزدادت عُري .. !

رائع

سيمون جرجي يقول...

وليست الزفراتُ إلا منّا... من أعماقِ واقعنا الذي نقتاتُ منه كلَّ يومٍ، لا بل كلَّ لحظة!
يا صاحبَ التعليقِ غير المُعرَّف أهلاً بكَ أمامَ جسدي العاري ونفسي المكشوفة على الملأ.
تحيّتي.